لبنان والوحش الخارج عن السيطرة

01:28 صباحا
قراءة دقيقتين

عن «اللوموند»

 في دولة، تستند فيها السلطة إلى المؤسسات التي ينظم الدستور عملها. وفي نظام، تخفي فيه المؤسسات والدستور صاحب السلطة الحقيقي: الأسرة أو الجيش أو الحزب. يجب مراعاة هذا التمييز عند دراسة الحالة اللبنانية.

مع حياته السياسية المضطربة، ومشهده الإعلامي المزدحم ومجتمعه المدني النضالي، لا علاقة للبنان بداهة بجيرانه من حيث نظامه.

لكن لبنان لم يعد دولة. وأصبحت السلطة أكثر من أي وقت مضى في أيدي كارتل الأحزاب المجتمعية، حيث يتعايش الوجهاء التقليديون وأمراء الحرب ورجال الأعمال السابقون. أي أن هناك طبقة من الأغبياء في السياسة العامة والعباقرة في السياسة الخاصة. ونظراً لاهتمامهم الأساسي باحتفاظهم بالسلطة، فقد طوروا فناً لعرقلة المبادرات التي من المحتمل أن تضر بمصالحهم المحصورة ضمن حدود التحف الفنية.

وتقدم المعركة الحالية حول التدقيق الجنائي لمصرف لبنان (BDL) مثالاً ساطعاً. فالرئاسة والحكومة تدعم هذا المشروع الهادف إلى تسليط الضوء على الثغرة الهائلة في القطاع المالي اللبناني. لكن «الطرف المصرفي»، الذي يخشى أن تجتاحه الكارثة، يبذل قصارى جهده لمنع هذه العملية. ويمكن للأوليغارشية السياسية المالية أن تحقق أهدافها، من خلال توابعها في البرلمان، ووسائل الإعلام وحتى داخل السلطة التنفيذية.

 إن دفن عملية التدقيق من شأنه أن يضع حداً للتعافي الاقتصادي للبلاد، على المدى المتوسط ​​على الأقل. ويعد إنجازها أحد الشروط التي وضعها صندوق النقد الدولي والمانحون لتجديد خزائن البلاد. لكن «الدولة العميقة» أقوى من هذه الاعتبارات. وهكذا يعمل لبنان كنظام. وتكمن حقيقة السلطة في المؤسسات الخارجية.

 هذا النظام، على عكس النموذج المعمول به في المنطقة، له رأسان. وهذا ما يجعله مرناً للغاية. فإلى جانب الأوليغارشية المالية، هناك حزب الله، القوة الموازية الأخرى. ولقد تعلمت هذه الحركة الموالية لإيران، المكونة من نصف ميليشيات ونصف حزب، تمويل نفسها خارج الدوائر المصرفية. وهو غير متورط بشكل مباشر في الانهيار المالي للبلاد، والذي يؤثر على قاعدته بشكل كبير ولكن، تضامناً مع بعض حلفائه، يلتزم حزب الله الصمت ويغض الطرف عن الفساد، وفي المقابل تغض الأوليغارشية الطرف عن بنادقه.. إنها مسألة أخذ وعطاء.

 وهكذا أصبح لبنان وحشاً لا يمكن السيطرة عليه. فمنذ ما يقرب من ثلاثة عقود، تعامل المجتمع الدولي مع هذا النظام. بل وقام بتمويله، من خلال تنظيم مؤتمرات لجمع التبرعات، مصحوبة بوعود غامضة بالإصلاح يسارع عادة قادة البلاد إلى نسيانها بعد تلقي شيكاتهم.

 ويبدو أن هذا الوضع قد انتهى الآن. والحكومات الغربية بلغت حد عدم التحمل. وقد ألمح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى ذلك في خطابه في أواخر سبتمبر/ أيلول، حيث انتقد «النظام الفاسد» في بيروت، لكن الطبقة السائدة تواصل التصرف وكأن شيئاً لم يحدث، فهي تستمر في المراوغات والافتراس والتجنب. وعلى هذا النحو، لن يُثير لبنان في القريب العاجل التوتر بل الإحباط، والملل، وعدم الاهتمام، وهي أسوأ عقوبة لدولة لطالما فتنت العالم ذات يوم.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحيفة لوموند

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"