الصين أولاً.. ولا عزاء لأمريكا

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

الدكتور جراهام اليسون أحد أساتذة العلوم السياسية المرموقين في جامعة هارفارد الأمريكية العريقة، ومساعد وزير الدفاع السابق في الولاية الأولى للرئيس بيل كلينتون، وله مئات الأبحاث في قضايا الدفاع والسياسة الخارجية، وعمل مستشاراً وخبيراً لوزارة الدفاع، وحاصل على أعلى وسام تُمنح لشخصية مدنية. تضفي هذه المؤهلات العلمية الرفيعة، والتاريخ الحافل في الأوساط الأكاديمية والسياسية الكثير من الأهمية والقيمة على ما يقوله الرجل، وتحتم التعامل معه بأقصى قدر من الجدية خاصة عندما يعلن معلومة مثيرة للجدل وهي أن الصين أزاحت الولايات المتحدة من قمة الهرم الاقتصادي العالمي، واحتلت مكانها كأقوى وأكبر اقتصاد في العالم.

 في تقرير نشرته مجلة ناشيونال انترست يؤكد اليسون بأوضح العبارات أن هذا ليس رأياً شخصياً بل نتيجة علمية اعتمدت على استخدام ما يعرف بمقياس «تعادل القوة الشرائية» الذي يستخدمه حالياً صندوق النقد الدولي، والمخابرات المركزية الأمريكية، لتقييم اقتصاديات الدول والمقارنة بينها.

 وقد لجأ الصندوق بالفعل لهذا المقياس في تقريره السنوي الأخير؛ «الرؤية الاقتصادية العالمية لعام 2020» حيث ذكر أن الناتج المحلي الأمريكي هو 20،8 تريليون دولار مقابل 24،2 تريليون دولار لنظيره الصيني. أي أن الاقتصاد الصيني بات أكبر بمقدار السدس من الأمريكي. لا يتسع المجال لعرض تقرير الأستاذ الأمريكي، لاسيما أنه يسهب في الشرح المتخصص والجاف وهو ما نجتهد هنا لاختصاره وتبسيطه.

 تستخدم الدراسات التي تفيد بتفوق الاقتصاد الأمريكي مقياساً آخر هو «سعر الصرف السوقي» حيث يتم تحويل قيمة الناتج المحلي لدولة من عملتها إلى الدولار بسعر الصرف السائد. ووفقاً لهذا المقياس فإن الناتج الصيني في 2020 يبلغ 102 تريليون «يوان». وبتحويل هذا المبلغ بسعر سبعة «يوانات» للدولار تكون النتيجة 14،6 تريليون دولار، وبالتالي يصبح الاقتصاد الصيني أصغر من الأمريكي.

 خطأ هذا المقياس أنه يفترض أن «اليوانات» السبعة تشتري في الصين نفس كمية السلع التي يمكن الحصول عليها مقابل دولار واحد في أمريكا. وبالطبع هذا غير صحيح.

 بناء على هذه النتيجة المضللة كان لابد من اللجوء إلى مقياس آخر أكثر دقة للمقارنة بين اقتصاديات الدول. ووجد الخبراء ضالتهم المنشودة في نظرية عالم الاقتصاد السويدي جوستاف كاسل؛ «تعادل القوة الشرائية» التي يعرفها جيداً خبراء الاقتصاد. وهي تأخذ في الاعتبار القوة الشرائية لعملة كل دولة محلياً عند تحديد سعر الصرف الواقعي لها، وصولاً لما يسمى بسعر صرف توازني بين عملتين مختلفتين.

 لمزيد من التبسيط ابتكرت مجلة «الايكونوميست» الاقتصادية البريطانية ما وصفته بمقياس «بيج ماك» إشارة إلى ساندويتش الهامبورجر الكبير الذي تقدمه مطاعم ماكدونالد الشهيرة. الحسبة هنا تكون كالتالي: مقابل 21 يواناً يحصل المواطن الصيني على سندويتش كبير في بلده. وتساوي هذه «اليوانات» وفقاً لسعر الصرف ثلاثة دولارات وهو ما لا يكفي سوى لشراء نصف ساندويتش من نفس الحجم في الولايات المتحدة.

والنتيجة الواضحة هي أن الصينيين يحصلون على أي سلعه سواء كانت صاروخاً أو قطعة حلوى بنصف الثمن الذي يدفعه الأمريكيون.

 باختصار الاعتماد على سعر الصرف الحر فقط يعني قياس ما يمكن أن يشتريه المواطن الصيني بسعر السوق الأمريكية. بينما يعتمد مقياس تعادل القوة الشرائية على حساب قيمة ما يمكن الحصول عليه في الصين بأسعار أسواقها.

 ونتيجة لاختلاف الآليتين تأتي النتيجة مختلفة؛ إذ يكون الاقتصاد الصيني أصغر من الأمريكي بمقدار «الثلث» وفقاً للمقياس الأول السائد، لكنه يصبح أكبر بمقدار «السدس» وفقاً للمقياس الآخر الأكثر واقعية ودقة.

 يؤكد اليسون أنه حان الوقت لكي يعترف الأمريكيون بهذا الواقع فلن يغيره تجاهلهم أو إنكارهم له. حان الوقت أيضاً ليشعروا بالقلق بل الصدمة عندما يعرفون حقيقة أخرى هي أن الاقتصاد الصيني سيكون الاقتصاد الكبير الوحيد عالمياً الذي يسجل نمواً إيجابياً في 2020 أي الوحيد الذي سينهي العام بحجم أكبر مما بدأ به.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"