عودة الصراع الإمبراطوري

00:34 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

العلاقة بين تركيا وإيران تُدار بين قادة البلدين بحذر كبير، فهما لا يريدان العودة إلى صراع الإمبراطوريات على المصالح والنفوذ، كما لا يرغبان بالعودة إلى زمن ما قبل عودة الخميني إلى إيران وظهور حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان في تركيا، وهذان الحدثان الأخيران، عودة الخميني واعتلاء الحزب سدة الحكم كانا قد ساهما في تهدئة الحساسيات التاريخية التي بدأت بين العثمانيين والدولة الصفوية في إيران. لكن هذه العلاقة غير مبنية على أسس قوية ونوايا سليمة، فالتاريخ يطل برأسه بين الحين والآخر ليذكر الطرفين بما كان، وربما يحفزهما بما يجب أن يكون، لهذا فإن شهور العسل التي بدأت وانتهت بين الدولتين كثيرة. ويبدو أن شهر العسل الأخير قد انتهى مع نشوب القتال في سوريا، وتجددت نهايته مع نشوب حرب طاحنة بين أرمينيا وأذربيجان.

 فمنذ دخول إيران على خط الصراع والمعارك على الأرض السورية، وتركيا تبحث عن ذرائع تسمح لها بالتدخل أيضاً في الأراضي السورية، مرة لمحاربة حزب العمال الكردي، ومرة للإطاحة بالرئيس بشار الأسد، ومرة لمحاربة الإرهابيين وإقامة منطقة عازلة وسور على الحدود مع سوريا، وكل ذلك يهدف لمواجهة النفوذ الإيراني في سوريا، وهو نفوذ بدأ ما قبل اندلاع المعارك في العام 2011 لكنه تكثّف مع اشتدادها وشعور إيران بأن النظام السوري بات مهدداً، وتدخلها كان بشكل مباشر وعبر ذراعها العسكرية المتمثلة في حزب الله، لهذا فإن الصراع كان واضحاً رغم أنه غير معلن، فتركيا تريد جزءاً من الأرض السورية والإطاحة بالريس الأسد وإيران ترفض ذلك.

 ويبدو أن الحرب التي اندلعت منذ ثلاثة أشهر بين أرمينيا وأذربيجان قد وسّعت من الفجوة بين إيران وتركيا، حين دعمت تركيا أذربيجان ودعمت إيران أرمينيا، والإحساس بخطورة الفجوة يتمثّل أيضاً بانتصار أذربيجان واستعادتها تسع مناطق واعتراف أرمينيا بذلك من خلال اتفاق تم توقيعه ودخل حيز التنفيذ في العاشر من نوفمبر الماضي، وحفّزت نشوة الانتصار أردوغان فقرأ أبياتاً شعرية لشاعر من القرن التاسع عشر تتحدث عن تقسيم أرض أذربيجان بين روسيا وإيران وذلك خلال زيارته العاصمة الأذرية باكو، ما أعاد التوتّر من جديد للعلاقات بين البلدين واستدعت الخارجية الإيرانية السفير التركي قبل يومين احتجاجاً على ما اعتبرته تدخلاً تركياً في الشؤون الإيرانية، وأن الأبيات الشعرية قد تشجّع الميول الانفصالية لدى أبناء الأقلية الأذرية في إيران. وكان رد الفعل الإيراني قاسياً وجاء على لسان الخارجية الإيرانية: «لقد أبلغنا السفير التركي أن حقبة المطالب المتعلقة بالأرض والإمبراطوريات التوسّعية قد انقضت، ولن تسمح إيران لأحد بالتدخل في وحدة أراضيها..»، وهو تصريح يكشف جذور الاختلاف واستمرار احتدام المنافسة التاريخية بين البلدين.

 ويبدو أن الأطماع التركية والإيرانية هي السبب الجوهري وراء الاضطرابات وحالة عدم الاستقرار في المنطقة العربية، فتركيا تتدخل الآن في ليبيا وسوريا وأذربيجان، وإيران تتدخل في سوريا ولبنان واليمن، وهذه الأماكن تتسم بحيوية إستراتيجية إقليمية وتؤثر في مساعي إعادة الهدوء والتوصل إلى حلول مستدامة. والدولتان تعملان بشكل حثيث لتحقيق إنجازات عسكرية ودبلوماسية، بينما الموقف العربي أقرب إلى الصمت والحياد، وهو في أفضل حالاته تصريحات شجب وإدانة، ونرى أن الظروف والمعطيات الحالية في سوريا وليبيا ولبنان واليمن تتطلب حشداً دبلوماسياً عربياً لتوضيح نوايا إيران وتركيا وتدخلاتهما في دول ذات سيادة، ناهيك عن تدخل الدولتين في دول الخليج العربية، وهنا يبرز دور جامعة الدول العربية المهم في التصدي لمحاولات تفتيت عدد من الدول الأعضاء وجعلها مسارح لتصفية حسابات (إمبراطورية)، لأن الدولتين لن تدخلا في حرب مباشرة على الرغم من انتهاء كل شهور العسل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"