فرضيات ما بعد «كورونا»

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

ليس هناك أدنى شك في أن معالم فرحة عالمية بدأت تتشكل في كل مكان مع توالي النجاجات العلمية والاكتشافات الخاصة باللقاحات المضادة لفيروس «كورونا»؛ يعبر عنها التسابق الدولي إلى حملات التطعيم الشامل على أمل استعادة النشاط العام، وتجاوز مخلفات عام عصيب، كلف البشرية مئات الآلاف من الأرواح، وخسائر اقتصادية تاريخية، ما يزال حجمها تحت التقييم، وتأثيرات نفسية لن يمحوها التعافي المنتظر، ولا رفع العزل الاجتماعي القاتل.

الخلاص من الجائحة الصحية؛ سيخلق جوائح أخرى، سيكون لزاماً على المجتمع الدولي مواجهتها بنفس معاني الحكمة والصبر التي قاوم بها «كورونا»، ولن يتعلق الأمر بتعذر وصول اللقاحات إلى بعض الدول والشعوب، وإنما بنذر نقص في الغذاء ومجاعات بين مئات الملايين من الناس، وهو ما ورد في تحذير المدير التنفيذي لبرنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة ديفيد بيزلي، حين نبه إلى أن نحو 270 مليون إنسان يتجهون صوب المجاعة، وأن الإخفاق في تلبية احتياجات هؤلاء؛ سيتسبب في جائحة جوع يتضاءل أمامها أثر «كورونا». وإذا تحدث بيزلي بالمجمل، وأعطى رقماً «متواضعاً» فإن البحث والتقصي قد يعطي رقماً أضعاف المعلن بشهادة مؤسسات دولية عدة تتحدث عن تفاقم انعدام الأمن الغذائي في أمريكا اللاتينية، التي تعاني أصلاً اضطرابات وتدهوراً اقتصادياً، والأمر نفسه ينطبق على أغلب الدول الإفريقية وبعض بلدان آسيا. 

تجاوز محنة «كورونا»، ورفع القيود الاجتماعية، وإلغاء إجراءات العزل والتباعد والتجوال؛ ستطلق العنان للاحتجاجات الاجتماعية؛ وتفجر الغضب لدى شرائح واسعة، خصوصاً في الدول التي تعاني تعثراً اقتصادياً. وقد تتجلى ردات الفعل في ارتفاع نسبة العنف والجريمة والهجرة غير النظامية، وربما اندلاع صراعات وحروب. فالإنسانية التي رزحت لعام كامل تحت ضغط أزمة صحية لم تكن متوقعة، ستكون النتائج والتداعيات لما بعدها غير متوقعة أيضاً. وبالانتقال إلى المسرح العالمي؛ فإن النظام الدولي تعتريه تغيرات متعددة الأنساق، وتحديداً المعسكر الليبيرالي؛ الممثل في الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، فالأولى تشهد وضعاً ضبابياً؛ بسبب التراجع الاقتصادي؛ والأزمة السياسية الناشبة بعد الانتخابات الرئاسية، والثانية تعرف تقلبات؛ من جرّاء الهزة التي أصابت الاتحاد الأوروبي؛ بعد الخروج البريطاني، ومع اقتراب الموعد المحدد، ما يزال هناك الكثير من الملفات المفتوحة بين لندن وبروكسل، إضافة إلى أن هناك مراجعات سياسية جريئة تقوم بها بعض الأحزاب بشأن جدوى الاتحاد الأوروبي، وقد تجد بعض هذه السياسات أصداء بعد انكشاف الواقع بعد الجائحة. ولا يمكن فصل ما يجري في الغرب عما يجري في الشرق، وتحديداً في الصين التي تعزز تقدمها في شتى المجالات، وتعيش الآن صراعاً حاداً مع واشنطن. وربما سيصير الأمر إلى الأسوأ في العهد القريب؛ بسبب اختلاف الاستراتيجيات بين البلدين.

أمام هذا التشابك، تتعدد الفرضيات، ومهما كانت النذر سيئة، يمكن للمجتمع الدولي تكذيبها، بالانتصار للقيم الإنسانية؛ ليتمكن بالتضامن من محاربة نوازع الشر ونذر الأزمات والجوائح. وإذا لم توضع خطة مبكرة للتعامل مع التحديات؛ سيكون العبء ثقيلاً وتداعياته أكبر من التوقعات الأولية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"