أنانية الراهن

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

هل تؤدي دعوة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس، دول العالم، لإعلان حالة «الطوارئ المناخية» إلى أي تغيير في السياسات التي نتجت عنها تحولات مناخية ملحوظة خلال السنوات القليلة الماضية؟ نحن لا نحتاج إلى الرجوع بالذاكرة طويلاً؛ لكي نرصد تلك التحولات، يكفي حرائق الغابات الطويلة في أمريكا التي نشبت خلال العامين الماضيين، فضلاً عن الأعاصير؛ وهي حرائق وأعاصير وقعت في دولة متقدمة تم التغلب عليها؛ إذاً لا خوف على الإنسانية من تلك التحذيرات المتتالية التي تشعرنا بالخوف.

 أما إشارات العلماء إلى ارتفاع منسوب مياه البحار؛ نتيجة ذوبان جبال الجليد، وتعرض الكثير من المدن الساحلية للغرق، فيظل «مجرد كلام» ينتمي إلى خانة التنبؤات، فنحن نمر عليه بسرعة، وفي داخل كل منا قناعة أن ذلك لن يحدث في المستقبل المنظور، وهي قمة اللامبالاة، فضلاً عن أنانية خفية، فالراهن هو الأهم، أما المستقبل فمتروك لأصحابه.

 إن تحولات المناخ الدراماتيكية كما يتكلم عنها العلماء، ليست من باب الخيال العلمي، كما يمكنها أن تفاجئنا بأسرع مما نظن، وهناك تيار تاريخي كامل يفسر أحداث التاريخ الكبرى وفقاً للتغيرات المناخية والتي لا تقتصر على ارتفاع درجة حرارة الأرض وحسب؛ نتيجة للأنشطة الصناعية الفائقة للرأسمالية، ففي صيف 1845 ولمدة أربع سنوات ضرب الطقس السيئ أيرلندا الجنوبية، وتمثل في مطر متواصل وضباب كثيف لم تعرفه البلاد من قبل، ما أدى إلى تلك المجاعة المعروفة بمجاعة «البطاطا الكبرى» والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من السكان، وكتب عنها بعض الأدباء الذين صورا السكان وهم يتجولون ظهراً في الشوارع كالأشباح لا يستطيعون مشاهدة بعضهم؛ بسبب الضباب.

 إذا تركنا الماضي وتوجهنا نحو المستقبل؛ سنجد أمامنا سيناريوهات مفزعة، هناك من يتحدث عن إجراءات ستتخذها الدول المتقدمة؛ لحماية نفسها في حال وقوع تحول مناخي عالمي؛ مثل: بناء الأسوار؛ وتقييد حركة السفر والهجرة؛ بل واستخدام القوة في منع دخول الهجرات الضخمة من تلك البلدان التي ستتعرض للجفاف أو الغرق، وهناك الأكثر تطرفاً في توقعاته، فتلك البلدان ستستخدم أسلحة محرمة؛ لحماية نفسها من ذلك الطوفان البشري، وستؤسس داخلياً ما سُيطلق عليه «شرطة المناخ»، وستنتهي حقبة الديمقراطية؛ نتيجة لما سيُعرف ب«الفاشية المناخية»، وهي صورة مستنسخة من التاريخ، وقعت في الماضي؛ لكن من دون تلك المصطلحات السياسية الحديثة المطعمة برؤية مغرقة في تشاؤميتها، والأهم من ذلك أننا عشنا بعض ملامحها مثل القيود المفروضة على الحركة والسفر في «كورونا».

 التحول المناخي قادم لا محالة، وهو مسألة إنسانية عامة لا تتعلق بدولة أو طبقة، وما على البشر إلا الاهتمام والتخلص من أنانية الحياة الآمنة في الراهن.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"