التطرف يؤجج الطائفية والمذهبية

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

د.فايز رشيد

إذا كان جبران خليل جبران قد قال منذ قرن زمني «ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين»، فإن حاضرنا الراهن يحمل أسوأ تطبيقات هذه الجملة. هذا الوضع يقودنا إلى مقولة نكره ترديدها، وهي أن الوضع عموماً يتناسب عكسياً مع السيرورة التاريخية للوعي الإنساني، ومع التقدم العلمي التكنولوجي. لصالح العودة إلى المفاهيم العشائرية القبلية البدائية. فبدلاً من كون مجالات التقدم المقترنة بالوعي حتى العفوي المفترض، تكون عاملاً توحيدياً للمجتمع الواحد والأمة بكاملها، خاصة أننا نعيش عصر التجمعات الجيوسياسية، والجيواقتصادية لأمم وشعوب مختلفة، لا يجمعها جامع، لكنها استجابت مع العصر وروحه ومقتضياته، فإننا مع الأسف نزداد انقساماً وتفتتاً ومذهبية وطائفية، على الرغم من وجود أعداء إقليميين ودوليين يحاولون نهب ثرواتها الهائلة، ينفذون إلى داخل الدولة، ويعملون على إثارة نقاط ضعفها الحساسة، ليشعلوا اقتتالاً داخلياً يتحول إلى حروب أهلية طاحنة، وكانت سياسة «الفوضى الخلاقة» تشق طريقها واقعاً ملموساً في منطقتنا.

 ونحن على الرغم من كل هذا الوضوح، ننساق مسلوبي الإرادة إلى هذه المخططات، فتركيا وغيرها من الدول الإقليمية تستبيح الأرض العربية، متذرعة بالعوامل المذهبية والطائفية، فتتدخل في ليبيا وسوريا والعراق واليمن ولبنان والسودان والجزائر وغيرها. لقد شهدت بعض بلدان المنطقة العربية عدداً من التحولات والأحداث الكبرى في السنوات القليلة الماضية، التي أعادت قضية الانقسام بين الشيعة والسنة، إذ تحول هذا الانقسام إلى صراع طائفي واسع النطاق في أكثر من بلد؛ بل إنه امتد لدول عربية أخرى، لم تعرفه من قبل. وفي سياق هذا الصراع الذي استغله السلفيون الأصوليون الإرهابيون أبشع استغلال، محرّفين اتجاه الصراع لصالح الخلافات المذهبية والطائفية والإثنية، لتنفيذ مخططاتهم التفتيتية للوطن العربي عموماً، فأخذوا يتبنون التطرف و«العنف الإرهابي» على الساحة الدولية تحت راية الإسلام، الذي هو براء منهم.

 في هذا الإطار، نشر معهد بروكينجز دراسة تحت عنوان «السلفيون والصراع الطائفي في الشرق الأوسط»، تشير إلى أن الخلاف الطائفي مستمر في الوطن العربي عبر قرون. وبعد أحداث ما يسمى الربيع العربي نشطت الحركات السلفية. وبرز عدد من السلفيين في مجال العمل الحزبي في دول عدة. لقد تطرقت الدراسة إلى الصراع الطائفي في عدد من دول المنطقة ودور السلفيين في تأجيجها، نتيجة لتطور أدوات الاتصال وتأثيرها على ممارسة السلفيين لدورهم. ووفقاً للبحث، فإن متابعة نقاشات شيوخ السلفية على وسائل التواصل الاجتماعي، باتت أكثر فاعلية من المقابلات وجهاً لوجه، على اعتبار أن المعلومات التي تنتج من المقابلات غالباً ما تغيب عنها المصداقية. وعبر هذه الوسائل تمكن رجال الدين السلفيين من التأثير المباشر على عموم الأحداث الجارية في المنطقة. ومن ثم، أضحى العالم الافتراضي مجالاً أساسياً للقادة السلفيين للانطلاق وإصدار الفتاوى والآراء، فهم يستخدمون شبكات التواصل الاجتماعي، بعد أن كانت المساجد هي الساحة الأساسية لمثل تلك النقاشات.

 إن ما يجري من صراعات طائفية ومذهبية يستهدف إفراغ المنطقة من محتواها التاريخي وسماتها الرئيسية المرتبطة بالتاريخ والحضارة العربية، كالاستهداف الطامح إلى تحويل المنطقة إلى شرق أوسط جديد أو كبير. العلة والأسباب والخلل لا تكمن في المؤسسات الرسمية فقط، ولا في جامعة الدول العربية التي هي ممثل يعكس التناقضات والأحوال العربية، وإنما أيضاً في الاستجابة الجماهيرية لأن تتمظهر فيها التناقضات المذهبية والطائفية والإثنية، فتراها منغمسة في هذه الصراعات، دون أن تتساءل، لا عن أسبابها ولا عن استهدافاتها، ولا عما ستؤول إليه. وإلى ماذا ستؤدي بالشعوب وطروحاتها وأهدافها، التي كانت على لسان الفرد العربي حتى عقود قليلة ماضية: كالوحدة العربية، والتكامل العربي، والمصير المشترك، وهي أهداف ذات آمال عريضة قادر، على تحقيق الديمقراطية وتحسين الظروف الحياتية، والمحافظة على كرامة الفرد العربي.

نحن لا ننكر نظرية المؤامرة  خارجية بالتعاون مع دوائر داخلية لكن المؤامرة يجب أن لا تظل الشماعة التي نعلق عليها كل تقصيراتنا وإخفاقاتنا وعجزنا. نحن مقصرون، أحزابنا لم تقدم مراجعة شاملة لمسيرتها. الصراعات الطائفية والمذهبية المتصاعدة في الوطن العربي ستؤدي إلى ظواهر سلبية كثيرة، بعضها قد يفاجئنا كثيراً بأحداث دراماتيكية خطِرة على وطننا وأمتنا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"