ديستان.. المصلح الذي أُسيء فهمه

01:04 صباحا
قراءة دقيقتين
1

خلال حياته الطويلة التي تلت فترة حكمه القصيرة، لم يتمكن الممثل المنتخب لمنطقة بوي دو دوم، من إحياء زخم حملته المنتصرة في عام 1974. وإذا كانت وفاة فرانسوا ميتران، وجاك شيراك، قد أثارت عاطفة شعبية جياشة في البلاد، فإن وفاة فاليري جيسكار ديستان دعت أكثر إلى التفكير في المساهمة التي قدمها خلال حكمه. كانت شخصية ديستان تنم عن رجل متألق ذكي ومغرور، ومفرط في الحساسية، ومتقوقع على ذاته. وقد وصفه رئيس وزرائه الأسبق ريمون بار بأنه رجل دولة «نرجسي».

كان المقربون منه معجبين به، ولكن قليلاً ما أحبوه. وفي نظر الفرنسيين، يبقى ديستان الرئيس الذي أسيء فهمه؛ لأن التناقض كان قوياً بين بداية فترة ولايته التي دامت سبع سنوات وتميزت بشعلة الإصلاحات الاجتماعية ونهايتها شبه الملكية، حين تم تشبيهه بلويس الخامس عشر، خاصة أنه علق في «قضية الماس».

لقد عرف فالي، كما كان يعرف عام 1974، كيف يفهم الاضطراب الذي حدث في المجتمع الفرنسي جراء أحداث مايو 1968. ففي أقل من عامين، تم خفض سن الرشد إلى 18 عاماً، وتم تمديد الإحالة في المجلس الدستوري، وألغيت إجراءات التنصت على الهواتف، وتم تفكيك مكتب البث التلفزيوني الفرنسي، وتم دعم وترقية المرأة، كما تم التصويت على إلغاء تجريم الإجهاض، على الرغم من التردد الشديد للمقربين منه. وبعد سبع سنوات فشل مشروعه في جعل فرنسا «مجتمعاً ليبرالياً متقدماً»، مع عدم وجود إمكانية للعودة.

وبسبب أن ديستان كان شديد النزعة نحو «الأمركة»، فإنه سرعان ما اصطدم بالمحافظين وبالديجوليين الجدد الذين ساعدوا في انتخابه. وفي 25 أغسطس 1976، سلمه رئيس وزرائه جاك شيراك استقالة حكومته، معلناً أنه «لا يمتلك الوسائل» لإدارة سياسته. وكانت تلك هي المرة الوحيدة، في ظل الجمهورية الخامسة، التي أثير فيها الطلاق بين الرئاسة ومضيف ماتينيون؛ أي رئاسة الوزراء. وبعد خمس سنوات أصدرت قيادة الحزب الجمهوري الثورية تعليمات لأنصارها بأن تصوت لفرانسوا ميتران في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية، بدلاً من دعمه. وحتى نهاية حياته، كان ديستان يعلق هزيمته على هذه «الخيانة».

لكن هناك  بالطبع  أسباب أخرى، كتتابع الصدمتين النفطيتين وعدم شعبية ريمون بار الذي كلفه بتحرير الاقتصاد، والهيكلة المتأخرة لما سُمي بالسديم الوسطي، دون نسيان شخصية الرئيس نفسه. ومع استمرار المحن والمشاق، تحول هذا البرجوازي المستنير، الذي نجح في كل شيء، إلى ملك بعيد ومتقلب وشهد نهاية بالية لولايته.

ولم يقلل فشل مشروع الدستور الأوروبي في عام 2005، الذي كان هو مولده، من الدور الذي لعبه لما يقرب من نصف قرن في أقلمة الفكرة الأوروبية في فرنسا. وعلى عكس ديجول، رفض ديستان تمجيد العظمة الوطنية وكان يرى فرنسا كقوة وسطى تحتاج إلى التحديث بشكل سلمي قدر الإمكان، حتى تتمكن، بفضل النفوذ الأوروبي، من الحفاظ على مكانتها في الشؤون العالمية.

والحقيقة أن هذا المنطق لا يختلف كثيراً عن المنطق الذي يتبناه اليوم إيمانويل ماكرون، وهو ليبرالي آخر يدعي أيضاً أنه يحكم في الوسط.

عن «اللوموند»

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

صحيفة لوموند

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"