العمق للآلة والسطحيّة للإنسان

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

عبد اللطيف الزبيدي

هل تستطيع أنظمة التربية والتعليم تغيير طبائع الشعوب والأمم، وطرائق تفكيرها؟ لا تقل إن هذا غير ممكن. الآلة، التي هي آلة، صار لها تعلّم عميق (ديب لورنينج)، تتعلم، وترتقي في مدارج العلم، وتتطور.

 من هنا نبتدئ في رسم الغايات التي تنقذ من الضياع الحضاري. معضلة المعضلات هي أن العقل العربي لا يغريه البحث العلميّ. أسمعه بيت شعر، ولو كان مشكوكاً في قيمته، تجده يبيع به رياضيات الدنيا، من قبل فيثاغورس وبعد سيدريك فيللاني. سيسأل واضعو المناهج: كيف يتسنّى لنا إحداث هذه المعجزة في الدماغ العربي؟ هذا أسوأ ما يمكن أن يتبادر إلى ذهن خبراء التربية. يُؤتى بنخبة من هؤلاء الأفاضل، ويقال لهم: لا نريد منكم إعجازاً؛ لأنه تحقق، ولا وجود لمعجزة في الكون كله أعظم من الدماغ البشريّ، الذي ائتمنكم عليه الآباء والأمّهات لتربّوه وتعلّموه وتؤهلوه لحل مشكلات الشعوب. هم يضعون بين أيديكم حاسوباً كونيّاً فيه أكثر من 85 مليار خليّة عصبيّة، كل واحدة تستطيع أن تحدث ألف تشابك عصبيّ. كل ذلك في جمجمة طفل لا يشك أبواه في أنكم أهل للأمانة، بل إنهما يؤمنان بأنكم أهل للرسالة، حتى إن أمير الشعراء طالب كل فرد بالوقوف للمعلم تبجيلاً، فهل يريد المعلم تكريماً فوق وصفه بأنه كاد أن يكون رسولاً؟

 أولياء الأمور، أيّها الأساتذة، لا يرجون منكم شيئاً أكثر من أن تنصفوا بناتهم وأبناءهم، وأن تضعوهم في مصاف الآلة، فلا تحظى الآلة بالتعليم العميق، بينما أنتم تصرّون على أن يتلقى أطفال الآدميين التعليم السطحيّ. لهذا تتطوّر الآلات ويبقى المبتلون ببلدان التنمية المتعثرة «مكانكِ تُحمدي أو تستريحي». أنتم تدركون يقيناً أن كلّ العقبات التي تعرقل تقدّم العالم العربي، يحلّها تغيير طريقة أداء الدماغ ليصبح عمليّاً وعلميّاً، بهذا يغدو مؤهلاً للبحث العلميّ، الذي سيحل كل المسائل العالقة منذ قرون. كل المطلوب منكم، أيّها السادة التربويون، هو أن تجعلوا البحث العلميّ والتحقيق وحريّات الفكر والرأي والتعبير، العمود الفقري في تدريس كل المواد على اختلاف ميادينها.

 لزوم ما يلزم: النتيجة المشروخية: ألم تشبّوا وتشيبوا على سماع المثل «من شبّ على شيء شاب عليه»؟ المطلوب هو أن يشبّ العرب على البحث العلمي ويشيبوا عليه.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"