فنون مصر القديمة

00:44 صباحا
قراءة دقيقتين

د. نورة المزروعي

كانت فنون الحضارة الفرعونية علماً متصلاً قبل بزوغ «فن الكتابة»، واستخدمت هذه الفنون لأغراض تربوية، فالموسيقى استخدمت للتعبير عن العواطف بالألحان، أما الشعر فلتوثيق الأحداث بالكلمة، بينما الغناء يُعنى بتوثيق الأحداث في الذاكرة. وكانت الغاية من هذه الفنون تربوية لتهذيب الأخلاق، الارتقاء ذوقياً وفنياً بالمجتمع المصري.

أقر قدماء المصريين هذه الفنون على شكل أغنيات؛ لجذب الأطفال إليها، فابتكروا أغنية لكل مناسبة، ولكل قانون، ولكل شهر، ولكل سنة، ولكل جنس، وكانت مهمة المعلمين والآباء هي تلقين الأطفال معارفهم عن طريق الغناء والشعر؛ لكي تثبت في العقل اللاواعي. 

ينشأ الطفل على تعلم هذه المبادئ العامة لما لها من علاقة وطيدة بسمو الأخلاق، كما كان الأطفال يتعلمون العزف على عدة آلات موسيقية وأهمها القيثارة، وقد أقر ملوك مصر دراسة الموسيقى لكل الفئات العمرية، ومن الجدير بالذكر أن قوانين المجتمع المصري كانت حذرة في مسألة تعليم الموسيقى لفئة الرجال،  كان المجتمع المصري لا يحبذ تعليم الرجال الموسيقى، ظناً بأنها فن ناعم، لذا ألزمت قوانيين الدولة بتعليمهم الرياضة البدنية لأنها تمنحهم الصلابة والشجاعة والحزم، والتوازن في اتخاذ القرارات بجانب تعليمهم  الموسيقي التي تمنحهم اللطف واللين في التعامل. وكلاهما (الرياضة البدنية والموسيقى) متطلبان لتحقيق صفة الرجولة المعتدلة.

تحدث كتاب «وصف الموسيقى والغناء في مصر» عن أهمية تعليم الموسيقى في المجتمع المصري، وكان للموسيقيين دور مهم في الحضارة المصرية، فكانوا يهذبون من خلالها الأخلاق على ألحان القيثارة، وكانوا يلجؤون إلى الحكايات الرمزية والأمثال والأدعيات والأشعار ليتقربون بها إلى الآلهة.

 كان الموسيقي مرتلاً، ومنشداً، ومغنياً، وشاعراً في الوقت ذاته، وكان الموسيقيون يتألفون من قسمين أو طائفتين: الكهنة والشعراء، كما يطلق على طبقة الكهنة «رسل الآلهة»؛ لقدرتهم على تحريك قلوب وعقول العامة بالصوت والكلمة، أما طبقة الشعراء فكانت تعنى بنشر تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع المصري عن طريق الشعر المصاحب للآلات الموسيقية.

ارتبط الشعر بمكانة بارزة في المجتمع المصري، وكانت طبقة الشعراء تنظم القوانين العامة، من خلال النظم الشعري الذي كان يلحَّن ويغنَّى في عدة مناسبات، وكانت تتضمن الأشعار جملة من المعارف والقوانين والفنون، التي تنتقل عن طريق التداول بين الناس، من خلال التاريخ الشفاهي، قبل بزوغ فن الكتابة. 

إن اندماج الألحان بالأشعار نتج عنه «فن الغناء»، وهذا الفن تأثر به العامة؛ بسسب الطريقة اللحنية، التي منحت الكلمة روحاً وقالباً جعلاها أكثر رسوخاً في ذهن المتلقي.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

حصلت د.نورة على الدكتوراه في الدراسات الخليجية من معهد الدراسات العربية والإسلامية بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة .وماجستر في دراسات شرق أوسيطية بجامعة أريزونا بالولايات المتحدة الأمريكية. ودبلوم خبيرة التسامح الدولي من كلية محمد بن راشد. ومن إصدارات الدكتورة: كتاب بعنوان "العلاقات بين الإمارات والسعودية"؛ حاز هذا الكتاب على جائزة العويس للإبداع في 19 أبريل 2017 عن فئة أفضل كتاب نشرته مؤلفة إماراتية. تعمل في أكاديمية الإمارات الدبلوماسية وجامعة زايد وجامعة أبوظبي. لها العديد من المنشورات، كتاباتها تنحصر حول الفنون والثقافة. تعمل حاليًا على كتاب بعنوان "تأثير الموسيقى في حياتنا".

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"