بايدن واستراتيجيات الاحتواء

00:09 صباحا
قراءة 3 دقائق

كمال بالهادي

باختياره الجنرال المتقاعد، لويد أوستن، لقيادة وزارة الدفاع، يكون بايدن قد رسم معالم واضحة لخطّة إدارته في التعامل مع القضايا الدولية، بعد أن يتولى رسمياً قيادة البلاد في العشرين من شهر يناير القادم.

 لويد أوستن، هو قائد القوات التي غزت بغداد في العام 2003، وهو الذي قاد عملية القضاء على حركة طالبان الأفغانيّة، و هو أحد مؤيّدي خيار القوة في حسم القضايا الإشكالية في منطقة الشرق الأوسط، فلماذا اختاره بايدن؟ وهل يخطط لخوض حرب جديدة؟ وضدّ من؟

 أسئلة كثيرة يمكن أن تطرح على خلفية هذا التعيين، ولكن يبدو واضحاً أن جو بايدن، يكرّس عملياً ما قاله منذ أسابيع بأنه يريد إدارة تبدأ العمل منذ اليوم الأول. واختيار لويد أوستن، يعني أن الرئيس الجديد، يريد شخصية تعرف خفايا المنطقة و قضاياها المزمنة، وهي قادرة على التحرك السريع ورسم خطط قابلة للتنفيذ العملي، عند الحاجة. وفي تعيين لويد أوستن، أكثر من رسالة لبعض الدول الإقليمية، وعلى رأسها إيران وتركيا.

 فبالنسبة لإيران، فإن الإدارة الأمريكية الجديدة، ستعيد مشروع الاحتواء لإنهاء البرنامج النووي الإيراني دون مشاكل ودون حروب، وإن تعطل مسار الاحتواء، فإن رجل المهمات الصعبة موجود، ويقود القوات الأمريكية، إلى حيث يريد البيت الأبيض. وطبعاً لا تستبشر إيران خيراً بهذا التعيين، فهي تعرف جيداً ما حدث شرقها (أفغانستان) وغربها (العراق)، وربما سيكون على قادة طهران، أن يدركوا أن الديمقراطيين ليسوا أقل إقداماً على الحرب من الجمهوريين. صحيح أن بوش الأب والابن وهما من الجمهوريين هما من قادا حرب أفغانستان وحربي العراق الأولى والثانية، ولكن كلينتون وأوباما الجمهوريين لم يكونا أقل اندفاعاً للحرب. فكلينتون قاد عاصفة الصحراء في العراق، وأوباما هندس «فوضى الربيع العربي»، التي أسقطت دولاً، دون حرب مباشرة من أمريكا.

 وفي ما يتعلق بتركيا التي تواجه خلافات عميقة مع أوروبا، فإنها لم ترتح لانتخاب بايدن، لأنه يؤيّد بطريقة صريحة مطالب القومية الكردية، وسعى عندما كان نائباً للرئيس إلى حصول الأكراد على مكاسب سياسية تمكنهم من تشكيل كيانهم القومي المستقل. ومن الطبيعي أن يواصل بايدن الرئيس، سياسته القديمة، وأن يضغط على أنقرة حتّى تحقق مطالب الأكراد. ويتّضح أن بايدن سيسعى إلى احتواء هاتين الدّولتيْن الإقليميتيْن، وإن لم تنجح سياسة الاحتواء فهناك العصا التي تعوض حتماً الجزرة.

 الرئيس الأمريكي الجديد، سيسعى إلى احتواء الغضب الأوروبي من سنوات حكم ترامب التي تراجعت فيها العلاقات الأوروبية الأمريكية إلى أدنى مستوياتها، وسيعمل بايدن على ترميمها وهو الذي تلقى دعوة لحضور القمة الأوروبية المقبلة عندما يكون قد تقلّد مقاليد الحكم في البيت الأبيض. ولعلّ هذه الدعوة قابلها الرئيس المنتخب بمبادرة إيجابية، عندما نشر تغريدة على «تويتر» قال فيها «منذ خمس سنوات في مثل هذا اليوم، اجتمع العالم لاعتماد اتفاقية باريس بشأن تغير المناخ». وأضاف: «في غضون 39 يوماً، ستنضم إليها الولايات المتحدة».

 الخطوة الأهم التي ينتظرها الأمريكيون هي، ما سيفعله الرئيس الجديد في ما يتعلق بالعلاقة بالصين. فالواضح أنّ بايدن قد لا يتسرع في الملف العلاقات التجارية ويهدم الإرث الذي تركه ترامب بضربة واضحة، ولكن الرجل لن ينساق إلى حرب تجارية مفتوحة، يدرك الجميع أن الولايات المتحدة ستكون هي أكبر الخاسرين فيها. وإن كانت كل الدلائل تشير إلى أنه لن يغامر بتصعيد الموقف وإنما سيسعى إلى احتواء القضايا الخلافية، وسيعمل على تعزيز التعاون مع الصين بدل مواجهتها. وهنا علينا أن نتوقع أنّ بايدن قد لا يتأخر في إعلان «صرامة» في التعامل مع الصين، لكنها ستظل مجرّد صرامة خطابية، من أجل دفع الصين إلى مزيد من التنازلات في ما يتعلق بالمفاوضات التجارية مع أمريكا..

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب صحفي وباحث في قسم الحضارة بجامعة تونس

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"