عادي

عذب الكلام

23:22 مساء
قراءة 3 دقائق
3

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

تجاهلُ العارفِ في عِلْمِ البديع: هو سؤالُ المُتكلّمِ عمّا يعلمُهُ حقيقةً، تجاهلاً؛ لغرضٍ ك«التوبيخ»، في قولِ الفارعةِ بنْتِ طريفٍ ترثي أخاها الوليد:

أيا شَجَرَ الخابورِ ما لكَ مُورقاً

كأنّك لَمْ تَجْزَعْ على ابنِ طريفِ

والخابور: نَهْرٌ. وقوُلها «مالكَ مورقاً»: توبيخٌ للشّجر.

أو «المبالَغَةِ» في المَدْح، كقولِ البُحتريّ:

أَلَمْعُ بَرْقٍ سَرى أمْ ضَوْءُ مِصْباحِ

أمِ ابْتسامَتُها بالمَنْظَرِ الضّاحي

أو «المبالغة» في الذّم، كقول زهير:

وما أدْري وسَوْف إخالُ أدْري

أقَوْمٌ آلُ حِصْنٍ أمْ نِساءُ

دُرر النّظم والنّثر

من كتاب «نثر الدرّ» قيل لبعضهم: السُّكوتُ أفضلُ أمِ النّطقُ؟ فقال: السُّكوتُ حتّى يحتاجَ إلى النّطقِ. العَقْلُ يأمُرُكَ بالأنْفعِ، والمُروءةُ تأمُركَ بالأجْملِ. والعقلُ أفضلُ أمِ الجِدُّ؟ فقال: العقلُ منَ الجِدّ. قال بعضُهم: لا ينْبغي للعاقلِ أنْ يَطْلُبَ طاعةَ غَيْرِه، وطاعةُ نَفْسِهِ عليهِ مُمْتَنعة. قيل لآخر: أتُحِبَّ أنْ تُهْدى إليكَ عُيوبُك؟ فقال: أما منْ ناصحٍ، فَنَعمْ، وأمّا مِنْ شامِتٍ، فلا. مَنْ رَضِيَ أَنْ يُمْدَحَ بِمَا لَيْسَ فِيهِ، فَقَدْ أَمْكَنَ السَّاخِرَ مِنْهُ. فِي تَقَلُّبِ الْأَحْوَالِ تُعْرَفُ جَوَاهِرُ الرِّجَالِ. وقيل: مَنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ فَوْقَ قُدْرَةٍ تَكَبَّرَ لَهَا، وَمَنْ كَانَتْ وِلَايَتُهُ دُونَ قُدْرَةٍ تَوَاضَعَ لَهَا. قَالَ الْأَحْنَفُ بْنُ قَيْسٍ: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَدْوَأِ الدَّاءِ؟ قَالُوا بَلَى. قَالَ الْخُلُقُ الدَّنِيُّ وَاللِّسَانُ الْبَذِيُّ. قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: عَاشِرْ أَهْلَك بِأَحْسَنِ أَخْلَاقِك فَإِنَّ الثَّوَاءَ فِيهِمْ قَلِيلٌ. إِذَا حَسُنَتْ أَخْلَاقُ الْإِنْسَانِ كَثُرَ مُصَافُوهُ، وَقَلَّ مُعَادُوهُ، فَتَسَهَّلَتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ الصِّعَابُ، وَلَانَتْ لَهُ الْقُلُوبُ الْغِضَابُ.

من أسرار العربية

في المقَابحِ والمَعايِبِ: إِذا كانَ الرَّجُلُ يُظهِرُ منْ حِذْقِهِ أَكْثَرَ ممَّا عندَهُ: مُتَحَذْلِق‏ٌ.‏ يُبْدي مِنْ سَخائِهِ ومُروءَتِهِ، غَيْرَ ما عليها سَجِيَّتُهُ: مُتَلَهْوِقٌ. يَتَظَرَّفُ وَيَتَكَيَّسُ من غيرِ ظَرْفٍ ولا كَيْس: مُتَبَلْتِعٌ. خَبيثٌ فاجِر: عِتْرِيفٌ.‏ سَرِيعٌ إلى الشَّرّ: عَتِلٌ. غَليظٌ جَافٍ: عُتُلٌّ.‏ جافٍ في خُشُونَةِ مَطْعَمِهِ ومَلْبَسِهِ وسائِرِ أمُورِهِ:عُنْجُهٌ، ومنْهُ قيلَ‏:‏ إنَّ فيهِ عُنْجُهِيَّةً‏.‏ ثَقِيلٌ: هِبَل.‏ مِنْ ثِقَلِهِ يَقْطَعُ على النّاس أَحادِيثَهُمْ: كانُونٌ. قال الحُطَيْئَةُ:

 أَغِرْبالاً إِذا اسْتُودِعْت سِرّاً وكانوناً على المُتَحدِّثِينا؟

دَخَّالٌ فِيمَا لا يَعْنِيهِ، مَعَتَرَضٌ في كُلِّ شَيءٍ: مِعَنّ مِتْيَحٌ. عَيِيٌّ ثقيلٌ: عَبَامٌ‏.‏ يَقولُ لكلِّ أحدٍ‏:‏ أنَا مَعَكَ: إمَّعَة‏.‏

هفوة وتصويب

يخلطُ كُثُرٌ، بين آخَر (بفتح الخاء) وآخِر (بكسرها). وفي صحيح اللغة: الآخِرُ: خلافُ الأَوَّل، والأُنثَى آخِرَةٌ. الآخِرُ والآخِرة: نقيض المُتقدّمِ والمُتقدِّمة، والمُستأْخِرُ: نقيضُ المُستقدِم، وهو منوّنٌ، ويُجْمَعُ جمعَ العَاقل، آخِرون. أما الآخَر (بالفتح)، فأَحدُ الشّيْئين أو المُغاير، بمعنى غَيْر، كقولك: رجلٌ آخَرُ وثوبٌ آخَرُ، وهو اسمٌ على وزن أَفْعَلَ، وهو مَمْنوعٌ منَ الصَّرْف والجمعُ: أُخَرُ. والأُنثى أُخْرَى، والجمع أُخْرَياتٌ وأُخَرُ أيضاً. إِلاَّ أَنَّ فيه معنى الصفة لأَنَّ «أَفعلَ من كذا» لا يكون إِلّا في الصّفةِ. ويقولون: جاءنا أُخُراً (بالضمّ)، أي أخيراً. وقال امرؤ القيس، يصف ناقته:

لَها جَبهَةٌ كَسَراةِ المِجَنِّ

حَذَّفَهُ الصانِعُ المُقتَدِر

 وَعَيْنٌ لها حَدْرَةٌ بَدْرَةٌ

شُقَّتْ مآقيهِما مِنْ أُخُرْ

من أمثال العرب

ذَرِيني أنَلْ ما لا يُنَالُ مِنَ العُلَى

فصَعْبُ العلى في الصّعب وَالسهلُ في السهلِ

تُريدينَ لُقيانَ المَعَالي رَخيصَةً

وَلا بُدَّ دونَ الشَّهْدِ مِنْ إبَرِ النَّحْلِ

البَيْتان للمُتنبّي، يشدّدُ فيهما، على أنّه لا بُدّ من الصّعود على جِسْر التّعبِ، للوصولِ إلى ضِفّةِ الطّموحِ، والصّبرِ على العَقَباتِ المَحفوفةِ بالمَخاطرِ التي تَتَخلّلهً؛ فلنْ ينالُ الإنسانُ لَذَّةَ النَّصْرِ، بِغَيْرِ كَدٍّ وجِدٍّ ومغامرةٍ وتضحيةٍ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"