تركيا والعقوبات الغربية

01:06 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

يبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غير آبه بالعقوبات والتهديدات التي تطلقها تحديداً أطراف غربية تجاه بلاده.

فالاتحاد الأوروبي أنهى قمته في بروكسل بخيبة أمل كبيرة؛ حيث عجز قادته عن فرض أية عقوبات مؤثرة. واكتفى بإدراج اسمين أو ثلاثة من شركة النفط التركية التي تنقب عن النفط في مياه شرق المتوسط باعتبار أنها تنقب في مياه تخضع للسيادة اليونانية. 

كان اتجاه القمة واضحاً حتى قبل انعقادها. فتصريحات بعض القادة، لاسيما في ألمانيا وإيطاليا كانت ضد فرض عقوبات، وبما أن ألمانيا هي مركز ثقل الاتحاد، فقد كان واضحاً أن القمة ستخرج بمجرد تهديد بفرض عقوبات في اجتماع الاتحاد المقبل في مارس/آذار 2021 في حال استمرت تركيا في انتهاكاتها لمياه خاضعة لسيادة اليونان وجمهورية قبرص، وهو الذي حصل. وليس أبلغ على الابتهاج التركي من فشل قمة بروكسل إشادة أردوغان بالدول «الحكيمة والعاقلة» التي لم تنزلق لرغبات فرنسا واليونان وقبرص اليونانية.

وما إن تجاوز أردوغان الكمين الأوروبي حتى بادرته واشنطن بكمين عقوبات طالت مسؤولين في الصناعات العسكرية الصاروخية بسبب شراء تركيا صواريخ (أس 400) من روسيا. ولا شك أن الكمين الأمريكي أكثر جدية من الكمائن الأوروبية؛ إذ إنه على الرغم من العلاقات الشخصية الجيدة بين أردوغان والرئيس المشرف على الرحيل دونالد ترامب، فإن المسألة تتعلق بالأمن القومي الأمريكي وبأمن حلف شمال الأطلسي. لكن العقوبات الأمريكية لم تصل بعد إلى مرحلة مؤثرة في تركيا لتعلق عملية تشغيل الصواريخ الروسية. لكن لا يعرف بعد ما إذا كان الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن سينتهج سياسات أكثر تشدداً تجاه تركيا، وهو المعروف عنه عدم إعجابه؛ بل كراهيته للرئيس التركي أردوغان؛ بل توعد، قبل سنة، بخلعه عبر العملية الانتخابية الديمقراطية. واللافت أن العقوبات الجديدة تفرض في عهد ترامب وهو ما يعزز استمرار التشدد وربما مفاقمته مع وصول بايدن إلى البيت الأبيض.

لذا يعمل أردوغان جاهداً لتكون مرحلة بايدن تشبه مرحلة ترامب الإيجابية عموماً. وذلك من خلال العديد من المواقف. أولها إظهار الموقف الوطني التركي الجامع ضد العقوبات من قبل كل أحزاب البرلمان (ما عدا الحزب الكردي)، وبأن هذا ليس موقف أردوغان الشخصي ولا حزب العدالة والتنمية؛ بل كل تركيا ما يهدد أمريكا بخسارة حليف قوي لها في منطقة الشرق الأوسط والقوقاز والبلقان. كذلك يعمل أردوغان على إظهار تركيا بالبلد القوي الذي لا غنى للولايات المتحدة من التعاون معه. وقد ظهر ذلك في تدخل تركيا في ليبيا لمواجهة خصومه من مصر وعدد من الدول العربية، لكن أيضاً لمحاولة مواجهة الحضور الروسي. ولا يمكن لبايدن إلا أن يتابع دعم تركيا في مواجهة روسيا التي ينظر إليها الديمقراطيون أكثر من الجمهوريين على أنها خطر على الولايات المتحدة وبأنها تدخلت في الانتخابات الرئاسية قبل أربع سنوات لصالح ترامب. كذلك لا تنزعج واشنطن من مقارعة أردوغان لفرنسا ورئيسها إيمانويل ماكرون.

ولكن الخطوة الأكثر تأثيراً، على ما يظهر، التي يحاول أردوغان أن يقنع الغرب، لاسيما واشنطن بأنه حليف وفي للغرب ولحلف شمال الأطلسي هو نجاحه في أن يتغلغل إلى الحديقة الخلفية لروسيا في القوقاز مع الدور المؤثر لتركيا في الحرب بين أذربيجان وأرمينيا وقبول روسيا أن تعطي مكاسب لتركيا كجزء من قوة المراقبة المشتركة لوقف النار وأن تفتح ممراً برياً، استراتيجياً لتركيا والاتجاه الطوراني، بين مقاطعة تخجوان وأذربيجان عبر الأراضي الأرمنية. كذلك استفز أردوغان، من باكو، إيران من خلال إلقاء أبيات شعر تدعو ضمناً إلى انضمام أذربيجان الإيرانية إلى جمهورية أذربيجان وهو ما فتح عليه عش الدبابير الإيرانية. لكن أيضاً فإن أردوغان يوجه رسالة إلى واشنطن، بمعزل عمن هو الرئيس، أن اختراقه الحديقة الخلفية لروسيا في جنوب القوقاز هو مكسب غربي وأمريكي وأطلسي.

 لقد مرت العلاقات التركية– الغربية بمطبات كثيرة عبر تاريخها الذي يعود إلى نهاية الحرب العالمية الثانية ومع كل ذلك كانت العلاقات لا تخرج عن ثوابتها الاستراتيجية. 

 واليوم لا يبدو، على الرغم من كل ما يظهر، أن العلاقات تتجه إلى التوتر والقطيعة والانفصال. فتركيا بمثابة الابن الذي يضل أحياناً، لكنه يبقى ابناً شقياً وغالباً مؤذياً، تهدد به أمريكا وحلف شمال الأطلسي خصومهما.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"