عادي

حبوب حرقة المعدة.. علاج ومشاكل مزمنة

21:15 مساء
قراءة 5 دقائق
1

تعد حبوب حرقة المعدة أو الحموضة، والتي توقف الشعور بالحرقة الناجم عن ارتجاع حمض المعدة إلى المريء الذي ينقل الطعام من الفم إلى المعدة، من بين أكثر 10 أدوية يصفها الأطباء للمرضى في العالم، حيث يعتمد عليها مليونا بريطاني يومياً تقريباً.

إلا أن هنالك مجموعة متزايدة من الأدلة تشير إلى أن أكثر أنواع أدوية الحموضة شيوعاً، والمعروفة باسم مثبطات مضخة البروتون Proton Pump«Inhibitors»، يمكن أن تؤدي في الواقع إلى مجموعة كبيرة من مشاكل الأمعاء المنهكة.
وفي واقع الأمر، يحذر الخبراء من أن الاعتماد المفرط على عقاقير مثبطات مضخة البروتون مثل «أوميبرازول» و«لانسوبرازول»، قد يفسر الارتفاع الأخير في حالات الإصابة بـمتلازمة القولون العصبي (Irritable bowel syndrome).
أعراض طويلة الأمد
ويقول الدكتور ريحان حيدري، استشاري أمراض الجهاز الهضمي في مستشفى «يونيفرسيتي كوليدج» بلندن: «إنها حالة مملوءة بالتناقض، لأن هذه الأدوية فعّالة بشكل جيد للسيطرة على الأعراض الأولية لحرقة المعدة، إلا أن آثارها طويلة الأمد عادة ما تكون ضارة».
ويضيف حيدري: «إن اثنين من كل ثلاثة مرضى يأتون إلى عيادتي وهم يعانون حرقة المعدة، يتناولون هذه الأدوية لسنوات، حيث تتطور حالتهم المرضية لتشمل الانتفاخات والتشنجات المعوية وأوجاعاً في القولون، وهذا ليس من قبيل المصادفة».
وتحدث حرقة المعدة أو عسر الهضم، عندما ينتقل حمض المعدة الذي يعتبر مهماً في عملية هضم وتحليل الطعام، نحو الحلق.
ويعد المحفّز الأكثر شيوعاً لحرقة المعدة الإفراط في تناول الطعام، والذي يضع ضغطاً إضافياً على الحاجز العضلي بين المعدة والمريء، ما يجعل حمض المعدة عرضة للتسرب.
كما أن اتباع نظام غذائي غني بالأطعمة الحمضية والمشروبات، مثل الكافيين والنبيذ الأحمر والشكولاتة، على سبيل المثال، تؤدي إلى تفاقم المشكلة والتي تسمى أيضاً بالارتجاع المعدي المريئي أو «Acid Reflux».
وتقاوم الأدوية، التي يصفها الطيب والتي يمكن شرائها من الصيدلة من دون وصفة أيضاً، هذه الحالة عن طريق الحد من كمية الحمض الذي تنتجه خلايا المعدة، من خلال منع المواد الكيميائية المشاركة في إنتاجها، وهي فعّالة للغاية.
اضطرابات المعدة
إلا أن دراسة حديثة شملت 300 ألف مريض، خلُصت إلى أن تناول مثبطات مضخة البروتون لأشهر متتالية ارتبط بزيادة مخاطر الإصابة باضطرابات المعدة المحرجة بنسبة 65%، والإسهال هو من أكثرها شيوعاً.
ويضيف هذا البحث إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تشير إلى نفس النتائج. والمشكلة في الأصل تكمن في تقليل الحمض في المعدة والأمعاء.
ويوضح الدكتور حيدري إلى أننا بحاجة إلى وجود الحمض في الأمعاء الدقيقة لقتل البكتيريا، وتناول مثبطات مضخة البروتون لفترات طويلة يعني تراجع مستويات حمض المعدة، ولكنها تؤدي كذلك إلى زيادة أعداد البكتيريا في الأمعاء الدقيقة وتكاثرها بدلاً من أن تمر عبر الجهاز الهضمي. وفي حين أن بكتيريا الأمعاء مفيدة، إلا أن زيادتها بشكل مفرط يسبب مشاكل عدة.
ويضيف حيدري أن البكتيريا تتغذى على السكريات الموجودة في الأطعمة التي نتناولها، مما يتسبب في عملية التخمر، الأمر الذي يؤدي إلى إطلاق غازي الهيدروجين والميثان، وينتج عن ذلك الشعور بالانتفاخ والتشنجات المعوية وأعراض أخرى غير محببة.
وهذه الحالة، التي تسمى فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة (SIBO)، تكون أكثر شيوعاً بواقع 7 مرات بين متعاطي مثبطات مضخة البروتون، وفقاً لتحليل أجرته كلية الطب التابعة لجامعة هارفارد في عام 2013. ومن المعروف أيضاً أن هذه الحالة تجعل أعراض الارتجاع المريئي أكثر سوءاً.
وهناك فحص تنفس يقيس كمية غاز الهيدروجين الذي يتم إنتاجه بعد تناول الطعام بفترة وجيزة، ولكنه غير متوفر على نطاق واسع في المستشفيات الحكومية البريطانية، ويمكن أن يكشف هذا الفحص عن مشاكل فرط النمو البكتيري في الأمعاء الدقيقة.
وبدلاً من ذلك، يتم تشخيص العديد من الأشخاص بمتلازمة القولون العصبي، وهو مصطلح عام، لا يصــــــف العلاج الدقيق والفعاّل، وفقاً للدكـــتور حيدري، الذي يضيف: «نحن بحاجة إلى مزيج من فحص مستويات غاز الهـــيدروجين وأخذ عينة مــــن البكتيريا الموجودة في الأمعاء من أجل التشخيص الدقيق. ولكن غالباً ما يكون التشخيص واضحاً عندما يخبرني المرضى بتاريخ استخدام مــثبطات مضــخة البـــروتون وبـــداية الأعراض».
ويوضح حيدري: «يمكننا وصف المضادات الحيوية لقتل البكتيريا في الأمعاء الدقيقة، في حين أن تجنب الأطعمة الغنية بالسكريات والقابلة للتخمر مثل البقوليات والفواكه والخضراوات الجذرية، يمكن أن يخفّض كمية الغازات المنتجة».
وعلى الرغم من وجود مجموعة متزايدة من الأدلة التي تدعم الارتباط بين مثبطات مضخة البروتون ومشاكل القناة الهضمية، إلا أنها لا تزال موضع جدل كبير، كما لا يدعم جميع الأطباء نظرية الدكتور حيدري. لكن من المؤكد أن المرضى لا يتلقون العلاج في الوقت المناسب.
وعلى ســـــبيل المثال، كانت أليــــكس راينــــر، مديرة للخدمات اللوجســتية تبلـــــــــغ من العمـــــر 29 عاماً مـــــن مقاطـــــــعـــــة «هــــــيرتفوردشاير» البريطانية، إحدى هذه الحالات، فقد كانت تتــــــناول مثبطات مضــــخـــــة الــــبروتــــون يومــــياً لمــــــدة 9 سنوات، وهــــــو مزيج مــــن الوصفات الطــــبية والأقــــــراص التي لا تســــتلزم وصــــفة طــــبيـــــة، لعــــــــلاج حــــــرقــــــــة الـــــمعـــــــدة، إلا أنها لاحـــــظت في بداية العام إحساساً غريباً في بطنها.
والآن، وفي كل 3 أسابيع، تقضي راينر 48 ساعة ذهاباً وإياباً إلى المرحاض، وتقول في ذلك: «أشعر بوجود سوائل في معدتي، وكأن هناك فقاقيع وحركة غير اعتيادية طوال الوقت».
وتضيف: «إنه إحساس مؤلم للغاية ومحرج جداً. وأحياناً أشعر بتذمر كبير، لأنني أكون مضطرة للإسراع إلى الحمام. لكن الأدوية التي أتناولها توقف الارتجاع المريئي لدي بنسبة 85%، لذا أكون مضطرة لتحمل هذه الأعراض الجانبية المزعجة».

بدائل علاجية
مع وجود هذه الأدوية الفعالة، يتردد الكثيرون مثل أليكس راينر في التخلي عنها، لكن ما البديل؟
يقول الدكتور حيدري: «من المهم جداً إيقاف تدفق الحمض المعوي، لأن الارتجاع لفترات طويلة يمكن أن يزيد من خطر الإصابة بسرطان الحلق والمريء، ولكن يمكن القيام بذلك من خلال بعض العلاجات قصيرة المدى مثل مثبطات مضخة البروتون وتغيير نمط الحياة، مثل عدم تناول الطعام في وقت متأخر من الليل، وتقليل التدخين والأطعمة المحفزة للحموضة».
ويمكن للأدوية الأخرى التي لا تحتاج إلى وصفة طبية مثل «جافيسكون»، التي تعمل على تحييد الحمض بدلاً من إيقاف إنتاجه، أن تساهم في التخفيف من حدة الارتجاع، كما يمكن ببساطة المشي لفترة قصيرة بعد تناول الأكل. ويمكن أن يساعد التدخل الجراحي لشد الفتحة بين المعدة والمريء في ذلك أيضاً.
ويضيف الدكتور حيدري: «لكن من الضروري في البداية تحديد السبب الجذري للمشكلة، ففي الأغلب يكون الأمر ليس له علاقة بحمض المعدة. كما أن وصف الحبوب للمرضى هو ببساطة ليس حلاً ناجعاً بما فيه الكفاية».

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"