عصر الفراغ الاستراتيجي

01:02 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

مع اقتراب نهاية كل عام، تتكثف التحليلات والتنبؤات بحثاً عن اتجاهات الأوضاع العالمية في المدى المنظور، لكن الوضع مختلف جداً هذا العام بسبب الأوضاع الصحية الحرجة التي تكابدها البشرية جمعاء، وبفعل تطورات سياسية أسدلت ستاراً من الضبابية على المستقبل. وفي مقدمة هذه التطورات نتائج الانتخابات الأمريكية وما يمكن أن تنتهجه الإدارة الجديدة من سياسات ستؤثر في مسارات دولية عدة وستحمل بعض المفاجآت للكثير من المراقبين.

أزمات كثيرة تشابكت في العالم. ومع التفاؤل الكبير بالانتصار على وباء كورونا مع تعدد اللقاحات وبدء حملات التطعيم الوطنية، يبدو اليوم التالي مليئاً بالتشويق وستفتح فيه ملفات كثيرة ظلت عالقة، وتوافقات وتفاهمات لم تجد طريقها إلى التنفيذ أو جرى تثبيتها على عجل وفي ظروف استثنائية. وعندما يلتقط المجتمع الدولي أنفاسه، سيظل التوازن مختلاً ولن تسير الأمور إلى ما كان مخططاً لها قبل الجائحة. ولن تستطيع أوروبا والولايات المتحدة تدارك ما فات في وقت قياسي، وسيكون عليهما توخي مقاربات جديدة لترميم العلاقات بينهما مع طي صفحة الرئيس المثير للجدل دونالد ترامب. والأزمة في الغرب مركبة ومعقدة، ففي أمريكا سيحتاج الرئيس المنتخب جو بايدن الى جهد ووقت إضافيين لتضميد الوحدة الوطنية المصابة بجروح سياسية عميقة، وسيتعين عليه إرجاء كل وعوده ومنح الأولوية لتفكيك القنابل الموقوتة التي خلفها ترامب بين الحزبين الديمقراطي والجمهوري وبين الولايات الحمراء والزرقاء. أما في أوروبا فإن أجندة اتحادها مزدحمة بالأولويات، أولها التوصل إلى «بريكست» آمن لبريطانيا، ووضع مبادئ جديدة لعلاقات الجوار بين الجانبين. ولدى أوروبا أيضا مشكلة عظمى تتعلق بالسيطرة على التداعيات الاقتصادية الخطيرة للوباء، وستعمل حكوماتها على تجنب الصدام مع القوى اليمينية واليسارية، وهي معركة ستندلع حتماً وستستغرق أشهراً طويلة، ومن المبكر اليوم معرفة نتائجها، ولكنها لن تكون بسيطة، وستؤثر في مكانة الاتحاد دولياً وستحدد أدواره وعلاقاته مع بقية أركان العالم.

هناك مشاكل بدأت تطل. فبعد الحقب الاستعمارية والصراعات الطويلة على الثروات والحروب التجارية الحادة، يبدو أن هذا العصر سيكون فضاء المعارك السيبرانية، التي ستختزل كل الخلافات السابقة. والداعي إلى هذا الاعتقاد تفاقم الهجمات الإلكترونية، ومنها ما تعرفه الولايات المتحدة من اختراقات وعمليات قرصنة طالت أنظمة حيوية مثل الإدارة الوطنية للأمن النووي. وبعيداً عن الدخول في جدلية الجاني والضحية، هناك حقيقة قائمة مفادها أن العالم اليوم يعيش مرحلة فراغ استراتيجي وهناك تدافع عنيف بين قوى مختلفة للسيطرة وتمديد النفوذ. وكل ما يجري من تجاذبات باردة وساخنة هي مقدمات لحتمية قادمة لا محالة، ستسفر، على الأغلب، عن واقع مختلف، قد يكون الحد من سطوة المركزية الغربية لصالح القوى الصاعدة مثل الصين وروسيا. ولأن الطبيعة تكره الفراغ، فإن التدافع على القمة سيستمر إلى حين إعادة هندسة خريطة القوة، والشيء الخطير أن تلك الخريطة لن تكون عادلة ككل الخرائط، لأنها ستنسف ثوابت وتدحض مسلمات وتأتي بأمور لم تكن أبداً في وارد التوقع.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"