الممكن فلسطينياً أمام بايدن

00:31 صباحا
قراءة 3 دقائق

عاصم عبد الخالق

لا يتوقف خبراء السياسة الخارجية ومراكز الأبحاث السياسية الأمريكية عن طرح تصوراتهم وتوصياتهم بشأن ملامح السياسة الخارجية التي سيتبناها أو يجب أن يتبناها الرئيس المنتخب جو بايدن. من الطبيعي أن تتباين الآراء وتختلف الاجتهادات وتأتي التوصيات متعارضة أحياناً. غير أن القاسم المشترك الذي لا تخطئه العين هو الإجماع على حاجة أمريكا إلى «سياسة خارجية جديدة». هذا التعبير الدبلوماسي ترجمته «مجموعة الأزمات الدولية»، وهي جهة بحثية مرموقة، بصياغة أكثر حدة هي إصلاح ما أفسده ترامب.

لهذه المؤسسة المعروفة اجتهاد مهم حول الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي صدر في صورة تقرير أعده باحثوها بالاشتراك مع مشروع أمريكا - الشرق الأوسط، وهي جهة بحثية أخرى. ويحوي التقرير توصيات محددة مقدمة لإدارة بايدن.

ليس لدى مجموعة الباحثين التي أعدت التقرير أي أوهام بشأن آفاق الحل الممكنة، بل يستبعدون من الآن نجاح بايدن في إيجاد تسوية نهائية شاملة أو حتى محاولة إنجازها. الأكثر من ذلك لا يتوقعون أن تحظى القضية الفلسطينية بأولوية على جدول أعمال الرئيس القادم. ومع ذلك فإن ما يمكن عمله ليس قليلًا ويظل مهماً ومطلوباً. وإذا لم يكن من المتاح إنجاز اتفاق تاريخي، فعلى الأقل يجب السعي للإبقاء على فرص تحقيقه مستقبلاً.

يوصي التقرير بالتراجع عن معظم وليس كل ما فعله ترامب، وعلى سبيل المثال فهو يدعم اتفاقيات السلام بين إسرائيل وعدد من الدول العربية التي رحب بها بايدن، ويتوقع المزيد منها بحيث تحقق نوعاً من الاستقرار الإقليمي. في المقابل لا بد من إلغاء القرارات السيئة لترامب وعلى رأسها الاعتراف بشرعية الاستيطان، ووقف المساعدات للفلسطينيين، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، والقنصلية الأمريكية في القدس الشرقية وأن لا يأتي على ذكر مسألة الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.

التصور الشامل الذي تضعه المؤسستان أمام الإدارة الجديدة يقترح ثلاثة مسارات متوازية؛ أولها تهيئة الأجواء لاستئناف التفاوض، والبداية لابد أن تكون بالتراجع عن القرارات التي أشرنا إليها. وبالتزامن مع ذلك يوصي التقرير باتخاذ قرارات حاسمة أهمها منع إسرائيل من ضم أجزاء من الضفة، والعودة إلى ثوابت السياسة الخارجية الأمريكية التي التزمت بها كل الإدارات السابقة وفي مقدمتها عدم الاعتراف بشرعية المستوطنات.

المسار الثاني هو التدخل الفعال للإبقاء على حل الدولتين ممكناً، وبحيث لا يتم السامح لإسرائيل باتخاذ أي إجراءات تجعل هذا الحل مستحيلاً على أرض الواقع. ويوصى الباحثون بامتناع الإدارة عن استخدام حق «الفيتو» لحماية إسرائيل من أي قرارات دولية لا ترضى عنها، وهو ما فعلته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما عندما سمحت بصدور قرار دولي يدين الاستيطان.

يركز المسار الثالث على التعامل مع الجانب الفلسطيني عبر إستراتيجية متكاملة تتضمن حمل السلطة على إجراء إصلاحات سياسية وإدارية ومالية، وتعزيز الشفافية في أداء أجهزتها الوطنية بما فيها مؤسساتها الأمنية التي انتقد التقرير تعاملها الفظ مع المواطنين الفلسطينيين. تتضمن التوصيات أيضاً السعي لإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية المجمدة، واستئناف جهود المصالحة، وتشكيل حكومة وطنية تدين العنف كشرط أساسي للتعامل معها.

لا يغفل البحث أهمية الاستفادة من جهود الاتحاد الأوروبي، والمنظمات الدولية بما فيها «الأونروا» التي يرى ضرورة استئناف تمويلها انطلاقاً من قناعة راسخة بأن تصعيد الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين، وبالتالي شحنهم بمزيد من مشاعر اليأس والإحباط، هو الشرارة التي ستشعل حريقاً مروعاً يجب تحاشي اندلاعه بشتى الطرق.

باختصار، يرى الباحثون أن أهم وأول ما يجب أن يفعله بايدن هو وقف نزيف المصداقية الأمريكية لدى الفلسطينيين. وإذا لم يكن بوسعه إنجاز السلام النهائي فعلى الأقل يمكنه إحياء الأمل في تحقيق هذا الحلم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"