حياة بين الورق

00:13 صباحا
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

كما يوجد موهوب في الكتابة، يوجد كذلك موهوب في القراءة. ولا يدرك البعض بأن التعرف على القارئ مهم كمعرفة الكاتب والنص، فقد يكتب المؤلف مئات الكتب التي تخوض في مواضيع مهمة لكنه لا يتمكن من الوصول الى القراء لأنه لا يدرك طريقتهم في القراءة والأسلوب القادر على مخاطبتهم.

والقارئ الجيد كما قال الروائي جوستاف فلوبير يمكنه امتلاك الحكمة بمجرد قراءة نصف دزينة من الكتب قراءة جيدة. والقراءة تغير حيوات القراء بشكل أو بآخر كما تقول الصحفية آنا كويندلين والفائزة بجائزة بوليتزر في 1992 في كتابها «كيف غيَّرَتِ القراءة حياتي» والذي تحدثت فيه عن هوسها بالقراءة وكيف نجاها غرقها بين الكتب في العثور على نفسها بينها. وقد غيرت القراءة كذلك حياة «مالكوم إكس» الذي وقف في وجه العنصرية تغييراً جذرياً فهو كما قال لم يكن يهدف من وراء قراءة الكتب الحصول على أية شهادات لتحسين مركزه، لكنه كان يقرأ لكي يحيا فكرياً.

وأكد الروسي فلاديمير نابوكوب صاحب رواية «لوليتا» في إحدى محاضراته على أن النص الذي يصل إلى عقل القارئ هو القادر على تغيير مزاجه وإدخاله في روح اللعبة ودفعه لاستخدام خياله كما فعل المؤلف أثناء الكتابة، وهو الذي يعرف متى وأين يكبح خياله فلا يتركه يخرج عن حدود المنطق؛ بل يقرأ ويتعامل مع النص وهو مدرك بأنه سيتعامل مع النص بمزاجه الشخصي ويكون متفهما بأن الكاتب قد صاغ عالمه الخاص من وجهة نظر خياله الذي استخدمه في ذلك النص فلا يجدر بالقارئ الحكم على الكاتب حكماً ظالماً أو قاسياً بسبب قصوره عن التوصل إلى ذلك الخيال أو لفهم رسالة الكاتب في نصه.

ومع ذلك، تحتاج معرفة القارئ ومجتمع القراء إلى مزيد من الدراسات الأكثر دقة وتوغلاً في هذا العالم، وعدم الاكتفاء بإحصاء الأعداد والنسب أو باعترافات الكتاب في سيرهم الذاتية عما فعلته القراءة بهم، فالقارئ لا يقرأ النصوص فقط، بل يتأثر بها ويمكن أن تكون سبباً في تغيير كبير في حياته قد لا يدركه المؤلف أثناء كتابته أو لم يتوقعه يوماً.

وأثبتت دراسة أمريكية كانت منشورة في مجلة أبحاث الخريجين بأن تأثير قراءة المتعة على النجاح الأكاديمي للطلبة يفوق تأثير الدروس نفسها. وفحصت الدراسة يومها عادات القراءة لدى (65) تلميذاً في المدرسة الثانوية ممن تتراوح أعمارهم ما بين (15-17) عاماً، وكانت النتيجة أن الطلاب الذين يقرؤون في المجال الأدبي قد حصلوا على متوسط درجات في مواد اللغة الإنجليزية والرياضيات والعلوم والتاريخ أعلى من نظرائهم ورغم أن المعلمين كانوا على دراية بالصلة بين القراءة الممتعة والنجاح الأكاديمي، لكنهم لم يهتموا كثيراً لأنهم مقيدون بمناهج الدولة والاختبارات الإلزامية.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"