للخروج من الفروق الطائفية والمجتمعية

00:32 صباحا
قراءة 3 دقائق

عبدالله السويجي

ينهمك المفكرون الاستراتيجيون في السياسات الخارجية في العالم العربي، في قراءة التحالفات الكبرى الإقليمية والعالمية استناداً إلى المصالح السياسية والاقتصادية، ومؤشرات وأحداث آنية ووقتية لمواجهة التحديات الوهمية أحياناً. ومن هؤلاء المفكرين من يبالغ في تفاؤله فيتحدث عن مستقبل مزدهر للاقتصاد وسلام داخلي وتطوير مستوى المعيشة، ويرسمون صورة ذهنية، أقرب إلى الشاعرية، للمستقبل القريب.

وقد يصاب المرء بدهشة فيضع علامات استفهام كثيرة أمام الأفكار الاستراتيجية والتحالفات المتوقعة التي دائماً ما تبدأ بالتساؤل، وليس الجزم، والتوقع وليس الحزم، وبعض هذه التوقعات أقرب إلى الأمنيات منه إلى الواقع، أو إشارة لأصحاب القرار. 

وينسى المفكرون حين يجمعون دولاً من مرجعيات دينية وتاريخية مختلفة، أن لها أطماعاً في أراضي بعضها بعضاً، وتصريح صغير من مسؤول عال يذيب الجليد بسرعة، في حين أن التحالف الحقيقي الذي يدوم، يتم بين الدول المتشابهة لغوياً ودينياً ومذهبياً ومصيرياً، وهو الكفيل بأن يعود بالازدهار على الشعوب.

قد تنعكس التحالفات الإقليمية الكبرى على التحالفات الداخلية بشكل مؤقت، لكن لا أحد يضمن ديمومتها في ظل توظيف المكونات المجتمعية والدينية والمذهبية لمواصلة التنافس على السيطرة على القرار، والحصول على أكبر جزء من الكعكة السياسية والوظائف الحكومية، وفي ظل تبعية هذه المكونات لدول وكيانات سياسية، وهذه الحيثيات الداخلية هي التي قد تُفشل أية تحالفات خارجية، فالتعامل مع الدولة، خاصة في العالم العربي والعالم الثالث، ككيان واحد صلب لم يعد عملياً؛ لأن الحقيقة غير ذلك، ولننظر إلى المكونات الدينية والمذهبية التي تؤثر في تعثر تحقيق السلم الأهلي والتعايش في العالم العربي، فهناك مذاهب للديانات السماوية الثلاث: الإسلام والمسيحية واليهودية، وهناك أعراق متعددة مثل الأكراد والسريان والشركس والأرمن، والطوارق والأمازيغ والصحراويين، إضافة إلى مكونات وطرق ومذاهب صغيرة وأقليات لا نسمع أصواتها.

لقد مضى على استقلال آخر دولة عربية أكثر من ستة عقود، ومنها ما استقل منذ عشرة عقود، لكنها لم تستطع وضع أنظمة حقيقية لتحقيق التعايش الأهلي المذهبي والاجتماعي، ولم تتمكن من تذويب الفروق لصالح رؤية استراتيجية شاملة، وظل كل مكوّن يحتمي بطائفته ويستظل بها، ولهذا أسبابه الكثيرة. وهذا ما جعل مفكرين استراتيجيين عالميين يضعون خططاً، وصفها البعض بالجهنمية والشيطانية، لخلق كانتونات وإدارات ذاتية في كل دولة من هذه الدول التي تحتوي على طوائف وأديان وأعراق، وشعر البعض بأن هذه الأفكار ترمي إلى تجزئة الوطن العربي وتقسيمه.

وبعيداً عن نظرية المؤامرة التي قد تكون حقيقية، والتعاطي بموضوعية وعقلانية مع النسيج الفكري الديني المذهبي العرقي في العالم العربي، والتفكير في احترام الأقليات وإعادة تشكيل مكونات الدولة، ألا يمكن أن تكون الفيدرالية حلاً منطقياً، على أن تبقى تحت إشراف الحكومة المركزية؟ 

ومن يستهجن الأمر فلينظر ممَ تتكون النرويج وسويسرا والسويد والهند، وكيف تقسمت البلاد إلى فيدراليات أو كانتونات تتحدث الألمانية والسويسرية والسويدية والفرنسية، ولا أحد يشك في تقدم تطور هذه الدول وتحقيقها للسلام الداخلي. وفي الوطن العربي يمكن ذكر مثالين رئيسيين هما لبنان والعراق؛ لأنهما جغرافياً مقسمان مذهبياً وطائفياً، وكل طائفة تتبع دولة في الخارج.

هذه ليست دعوة لتقسيم البلدان وإنما للنظر بواقعية ووقف المشاحنات التي ولّدت البغضاء في النفوس، وهو تصور إلى حين التخلص من العقليات المحرّضة على استغلال الانتماء الديني.

الفكرة التي وددت قولها، هو أنه قبل البحث عن تحالفات خارجية، يجب العمل على تحقيق تحالفات داخلية لتحقيق السلم الأهلي لكل دولة، فالتاريخ أثبت أن الإنسان لا يستطيع التخلّص من إرثه الروحاني وانتمائه العرقي، إلا في إطار عملية تربوية وتعليمية عميقة.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"