اليوم العالمي للغة العربية

00:38 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. فايز رشيد

لغتنا العربية هي لغة الضاد، وهي لغة القرآن الكريم، وبالتالي لا يتكلم بها العرب فقط. فالعديد من الدول الإسلامية ومن أجل فهم حقائق الدعوة، ومعاني القرآن الكريم، اضطرت لتعليم هذه اللغة لشعوبها، فلا تتم الصلاة إلا بإتقانها. كما أن العربية كذلك لغة شعائرية رئيسية لدى عدد من الكنائس المسيحية في المنطقة العربية، كما كتب بها كثير من أهم الأعمال الدينية والفكرية اليهودية في العصور الوسطى، وهذا ما زاد من قيمتها أولاً، وانتشارها ثانياً، والاعتراف العالمي بها ثالثاً، كلغة رئيسية على الصعيد العالمي. 

ووفقاً لتقديرات مراكز إحصائية عديدة، يستعمل ويتكلّم اللغة العربية يومياً ما يزيد على 450 مليون نسمة من سكان المعمورة، يتوزعون بين المنطقة العربية والعديد من المناطق الأخرى المجاورة، كالأحواز وتركيا وتشاد ومالي والسنغال وإرتيريا وغيرها؛ لذا فإن للغتنا العربية تنوعاً حضارياً كبيراً، سواء بما تزخر به من مكونات مختلفة، أو من حيث ارتباطها بأقدم العصور، فهي لا تطال التاريخ فقط؛ بل الثقافة والأدب بكافة أشكاله ومجالاته وصوره؛ لذا تُعد اللغة العربية ركناً من أركان التنوع الثقافي للبشرية. وهي إحدى اللغات الأكثر انتشاراً واستخداماً في العالم.

اللغة العربية زاخرة أيضاً بالجمال، سواء من حيث الأشكال المتعددة للكتابة، والتعبير عن الأفكار التي تتم بأشكال مختلفة، كما لعبت اللغة العربية دوراً رئيسياً في «تحشيد» الجماهير العربية لمقاومة الاستعمار بشكليه القديم والحديث؛ لذلك كانت محل استهداف من قبل كل المستعمرين لوطننا بلا استثناء. 

معروفة هي؛ بل مسجلة في التاريخ كل محاولات تتريك وطننا العربي الكبير، وفضلاً عن كل ذلك، مثلت لغتنا العربية، حافزاً لإنتاج المعارف ونشرها، وساعدت على نقل المعارف العلمية والفلسفية اليونانية والرومانية إلى أوروبا في عصر النهضة.

لعل من مميزات لغتنا العربية أنها تتيح الدخول إلى عالم زاخر بالتنوع، بجميع أشكاله وصوره، ومنها تنوع الأصول والمشارب والمعتقدات، مثل إبداعها بمختلف أشكالها وأساليبها الشفهية والمكتوبة والفصيحة والعامية، ومختلف خطوطها وفنونها النثرية والشعرية. 

ففيها آيات جمالية رائعة تأسر القلوب وتخلب الألباب في ميادين متنوعة، تضم على سبيل المثال لا الحصر، الهندسة والشعر، والفلسفة والغناء. لقد سادت العربية لقرون طويلة من تاريخها بوصفها لغة السياسة والعلم والأدب، فأثرت تأثيراً مباشراً أو غير مباشر في كثير من اللغات الأخرى في العالم الإسلامي، مثل  التركية والفارسية والكردية والأوردية والماليزية والإندونيسية والألبانية، كما بعض اللغات الإفريقية الأخرى مثل: الهاوسا والسواحيلية، وبعض اللغات الأوروبية، خاصة المتوسطية منها: كالإسبانية والبرتغالية والمالطية والصقلية.

يصادف يوم 18 كانون الأول/ديسمبر، الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية الذي خصصته الأمم المتحدة يوماً للغتنا. ويرجع أصل تاريخ هذا اليوم إلى مبادرة اليونيسكو خلال الاحتفال باليوم الدولي للغة الأم، الذي يجري الاحتفال به في 21 شباط/فبراير كل عام، فقد خصصت يوماً لكل لغة من اللغات الرسمية الست لهذه الهيئة الدولية الكبيرة، للاحتفال بها على حدة. 

وكان هذا التاريخ من نصيب لغتنا الجميلة، حيث أنه اليوم الذي صدر فيه قرار الجمعية العامة رقم 3190 (د  28) بإدخال اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في الأمم المتحدة عام 1973. 

وقد بدأ احتفال اليونيسكو باليوم العالمي للغة العربية أول مرة عام 2012. وقد قال عميد الأدب العربي المبدع طه حسين عن اللغة العربية: «ما أكثر ما نشكو من أن اللغة العربية ليست لغة التعليم، وما أكثر ما نضيقُ ذرعاً باضطرارنا إلى اصطناع اللغات الأجنبية في التعليم العالي، ولكن ما أقل ما نبذل من الجهد لنجعل اللغة العربية لغة التعليم؛ بل نحن لا نبذل في هذا جهداً ما». ما أبلغ هذا القول وتعبيراته ودلالاته الكثيرة والكبيرة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

كاتب وباحث في الشؤون الاستراتيجية، وهو من الخبراء في الصراع الفلسطيني العربي-"الإسرائيلي". إضافة إلى أنه روائي وكاتب قصة قصيرة يمتلك 34 مؤلفاً مطبوعاً في السياسة والرواية والقصة القصيرة والشعر وأدب الرحلة. والمفارقة أنه طبيب يزاول مهنته إلى يومنا هذا

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"