حواريّة غياب الفكر

00:41 صباحا
قراءة دقيقتين

عبد اللطيف الزبيدي

قال القلم: هل لديك صبر عمود أقول فيه ما لم يستطع العقل العربي استيعابه منذ قرون؟ قلت: ما هذا الريش المنفوش، والتباهي الذي لا يشترى بقروش؟ العالم العربي على قدر حاله، فأنّى له أن يحلم بكماله؟ الحريّات التي تقزقز لبّها الشعوب الحرّة، تلوح لأكثرية العرب أبعد من أبعد مجرّة. قال: لا فضّ فوك كأنك قرأت في ذهني ما أعني، فدعني أبح بما يضني، دعني.

 استرسل القلم: ميراثنا في الحريّات باقة مفارقات عجيبة. طوال قرون متعاقبة، لم يبحث أدباؤنا موضوعات حريات الفكر والرأي والتعبير، ولا حتى بنسبة واحد من المليون من كل ما حوته المكتبة العربية. نظائر القليل الذي في «لزوميات» أبي العلاء نادرة.. عجيب هذا في أمّة يحفل قرآنها بمئات الآيات الحاثة الحاضّة على الفكر والتفكّر والحريّات ورفض فرض الرأي والاعتقاد: المئات من أفلا تعقلون، أفلا يتدبّرون، أفلا تتفكرون، أفلا تتذكّرون، أفلا يرون إلخ: «لست عليهم بمسيطر». «لا إكراه في الدين». ثم، ما الذي يعدل عظمة «ما لكم استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحراراً»، للخليفة عمر رضي الله عنه. غريبة ضخامة ما كتب من النصوص التي تخدم بناء الدولة الاستبدادية، وتعرقل بناء الدولة القائمة على الفكر والرأي والتعبير.

 قلت: هذا الكلام قيل ألف مرّة، وأنت وعدت بأن لديك جديداً تحت الشمس أو تحت القمر. انتبه جيّداً، لن تعيد بناء التاريخ بطريقة أفضل: «قل للزمان ارجع يا زمان». قال: ما لا يدركه الكثيرون من العرب هو خطر وبيل. إن الذين يقفون في وجه حريات شعوبهم، إنما يعملون على إيجاد مجتمعات لا تشارك في تطوير أوطانها بالاختراع والإبداع. كيف تريد أن يكون لك شعب خلاّق فكره طليق ومواهبه محلّقة في أعالي الآفاق، وأفكاره رائدة في ذرى أسمى مطامح الإنسانية، وهو غير قادر على التفكير الحرّ، والرأي المجنّح والتعبير الثرّار كشلاّلات نياجرا؟ الخطر الجسيم هو أن البلدان التي لا تشرق من إرادتها وآمالها شموس الأفكار الخلاّقة المبدعة من ذات هويتها وانتمائها، تفقد حريتها وسيادتها. الحريات أعظم ثروات الشعوب، فإذا لم تحسن تنميتها لمصلحة أوطانها، استولى عليها غيرها بلا عناء.

 لزوم ما يلزم: النتيجة التنموية: أعظم التنمية ما شاركت الشعوب في قراره. انظر إلى حال الفكر عند العرب، تر جلّ أوضاع بلدانهم.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"