قاموس العصور الوسطى

00:33 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

في كتاب صدر عام 2018، بعنوان «لماذا لم توجد عصور وسطى إسلامية؟»، يضع المستشرق الألماني توماس باور، قائمة مكونة من 26 مفردة، وفق ترتيب حروف الأبجدية الألمانية، ينفي فيها من خلال كلمات مفتاحية، مثل القراءة وحال المدن وطرق المواصلات.. الأسطورة التي تؤرخ للعالم كله من منظور غربي، ويؤكد أن العصور الوسطى الأوروبية محلية الطابع، فالصورة كانت مختلفة تماماً في الشرق العربي الإسلامي، وفي الصين.

الجديد في قاموس باور أنه ركز على حياة البشر، فالعصور الوسطى في أوروبا لم تكتسب سمعتها السيئة بسبب اضطهاد المفكرين والعلماء أو التشدد الديني المتمثل في محاكم التفتيش فحسب؛ ولكن واقع الناس كان مأساوياً، فالمدن مشوهة وقذرة ولا توجد حمامات في الأماكن العامة أو في البيوت، والأمية متفشية حتى في أوساط الطبقات العليا، ولم يكن يجيد الكتابة إلا رجال الدين، أما حلم النخبة فاقتصر على التطلع إلى قراءة الكتاب المقدس، وذلك بعكس العالم الإسلامي، يقول: «النسبة المئوية للقراءة في مدن مثل دمشق والقاهرة، كانت وبوضوح مكونة من رقمين».

عندما نفتح أي كتاب يبحث في مسألة النهضة العربية، نشعر بأننا نحيا الآن في العصور الوسطى، وهي رؤى تهدر السياقات الحضارية والتحولات غير المسبوقة في معيشة البسطاء، فهناك مقارنات دائمة بين أوضاعنا وأكثر بلدان العالم تقدماً لا تأخذ في الاعتبار التطور التاريخي واختلاف المناخ والثقافة، وعندما لا تعثر تلك المقارنات على الحداثة ومرادفاتها في الواقع العربي، تصفه بأنه واقع جاهل ومتخلف أو ببساطة «قروسطي»، وتنسى أن دولة الرفاه وحقوق الإنسان لم تترسخ في الغرب إلا خلال عدة عقود قليلة ماضية. 

من جانب آخر يعيش الناس الآن في العالم تفاصيل يومهم، وفق طرائق متشابهة، تختلف في الدرجة والنوع لا الكيفية، فالبشر كلهم باتوا يؤمنون بالتعليم ويرسلون أولادهم إلى المدارس ويستخدمون التكنولوجيا الحديثة، ويعرفون ما يقع خارج حدودهم، وهو ما كان يستحيل تصوره في العصور الوسطى.

ولكن هل معنى أننا لم نشهد كابوس العصور الوسطى  ونستخدم حالياً أحدث الهواتف المحمولة والحواسيب الآلية  أن الصورة وردية، وأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان؟ إذا آمنا بذلك فلننس فكرة التقدم ولا نحلم بها، فلا تزال هناك كثير من العقبات تعترض طريق العرب، وأمامنا مشوار طويل لكي نشارك العالم منتجاته العلمية وأفكاره الابتكارية، ونظمه الاقتصادية، ولن يتحقق ذلك إلا بقراءات حقيقة وموضوعية للماضي والراهن؛ قراءات لا تبالغ في الفخر ولا تتباكى بمرارة على الهزائم، لتعيد إلينا الثقة في ذات حضارية مرتبكة وشبه ضائعة؛ لأننا إما مجّدناها عن جهل وغرور، أو جلدناها بقسوة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"