العمى الأيديولوجي

00:30 صباحا
قراءة 3 دقائق

أحمد مصطفى

سواء تم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) نهائياً باتفاق أو من دون اتفاق، يواجه ملايين البريطانيين العاديين مصاعب اقتصادية، بدءاً من أول يناير/كانون الثاني 2021 حين تنتهي الفترة الانتقالية للبريكست. فلن تعود علاقة بريطانيا بأوروبا كما كانت قبل 31 يناير 2020 حين تم تنفيذ البريكست حسب نتيجة استفتاء عام 2016 الذي صوتت فيه أغلبية بريطانية ب«نعم» للخروج من أوروبا.

 خلال السنوات الأربع الماضية، انكشفت دعايات الداعين ل«بريكست» من عتاة المحافظين واليمين المتطرف، حتى أن القضاء البريطاني حكم بأن شعار حملة بريكست القائل إن خدمة الصحة الوطنية تخسر الملايين أسبوعياً؛ نتيجة وجود بريطانيا في الاتحاد الأوروبي ليس سوى كذبة وتضليل للناخبين.

 لكن ذلك لم يقلل من حماس البعض في بريطانيا للبريكست، وإلغاء دعاوى شعبوية من قبيل «عدم تسليم مصيرنا لأوروبا» و«ووقف طوفان الهجرة الذي يضر ببلادنا».. إلخ. فما زالت شعارات التضليل التي روجها أنصار بريكست من اليمين واليمين المتطرف تؤثر في رأي كثير من البريطانيين. ولم تكن مفارقة غريبة في 2016 أن أغلبية من صوتوا للخروج؛ هي مناطق في بريطانيا فيها أقل عدد من المهاجرين، وأكثر المناطق تصويتاً للبقاء في أوروبا هي تلك التي فيها أكبر نسبة من المهاجرين.

 إنما هو التعصب الأيديولوجي الذي يداعب به اليمين واليمين المتطرف مشاعر القومية لدى البريطانيين. وجرى تلفيق الدراسات من مؤسسة أبحاث أوروبا التي يرأسها جاكوب ريس-موج (زعيم الأغلبية في البرلمان الآن) والشعارات العنصرية لمؤسس حزب البريكست (الإصلاح) نايجل فاراج.

 وعلى الرغم مما بات واضحاً الآن من الأضرار التي ستقع على المواطن البريطاني العادي من بريكست فإن العمى الأيديولوجي ما يزال يحجب بصيرة الكثيرين. فبعد أيام، سيقف البريطانيون في المطارات والموانئ في طابور آخر غير المخصص لمواطني الاتحاد الأوروبي، ومن يريد السفر منهم بسيارته عبر القنال الإنجليزي عليه استخراج رخصة دولية وشراء تأمين جديد.. إلخ. كما أن البريطانيين الذين يعيشون في بلدان أوروبية مشمسة مثل إسبانيا وفرنسا والبرتغال وغيرها لن يستطيعوا أن يعودوا إلى بريطانيا ومعهم أهلهم إن كانوا من تلك الدول، وعليهم انتظار أن تنطبق عليهم قوانين الهجرة والإقامة الجديدة التي مررتها وزيرة الداخلية البريطانية مؤخراً.

 تستورد بريطانيا في الأحوال العادية ما بين 40 إلى 60 في المئة من الأغذية، خاصة الخضراوات والأطعمة الطازجة، من دول الاتحاد الأوروبي. ترتفع تلك النسبة في الشتاء إلى نحو 80 في المئة. ومع طول طوابير الشاحنات التي تعبر من فرنسا إلى بريطانيا والتأخير نتيجة إجراءات التبادل الجديدة، فإن كثيراً من تلك الضروريات قد لا يصل إلى أرفف المحال البريطانية. وستعاني بريطانيا نقص بعض الأدوية المستوردة من أوروبا أو التي تستورد موادها الفاعلة منها، كما أن أسعار السلع عامة مرشحة للارتفاع بنسب كبيرة.

 هذا فيما يتعلق بتفاصيل الحياة اليومية للبريطانيين، أما على صعيد الاقتصاد الكلي فإن بريكست من دون اتفاق سيعني خسارة بريطانيا نحو 60 مليار دولار وانكماش اقتصادها بنسبة 2 في المئة وانضمام نحو ثلث مليون بريطاني إلى طابور البطالة.

 ليس هذا فحسب؛ بل إن أغلب رموز حملة البريكست الذين ضللوا ملايين البريطانيين يتحسبون لتبعات بريكست على الاقتصاد البريطاني، وينقلون أعمالهم وثرواتهم إلى خارج بريطانيا أو يغيرون مقر إقامتهم الضريبي لجزر أوفشور أو مدن أوروبية وغيرها.

 فشركة الاستثمار التي أسسها جاكوب ريس-موج، وما يزال يملك 14 في المئة من أسهمها، افتتحت فرعاً لأعمالها في جمهورية أيرلندا قبل نحو عامين؛ تحسباً لتبعات بريكست؛ لأن أيرلندا تظل ضمن الاتحاد الأوروبي. ونايجل فاراج تقدم بطلب للحصول على جواز سفر ألماني؛ لأن زوجته ألمانية؛ كي يظل مواطناً في الاتحاد الأوروبي. وصحيفة «ديلي ميل»، اليمينية المروجة للبريكست، مرتبطة بسلسلة من شركات الأوفشور في برمودا وجيرسي. وآخر هؤلاء، الملياردير المتحمس لبريكست جيم راتكليف الذي قرر هذا الشهر نقل مصنع سيارات شركته «إنيوس» من بريطانيا إلى قرب الحدود الألمانية الفرنسية. أيضاً جيمس دايسون، صاحب شركة دايسون المتحمس للبريكست أيضاً، قرر العام الماضي نقل مقر شركته من بريطانيا إلى سنغافورة.. وهكذا.

 هذه مجرد نماذج بسيطة من الأثرياء الذي يرفعون شعارات الأيديولوجيا اليمينية المعادية للمهاجرين، هاجروا بأعمالهم وثرواتهم؛ ليتفادوا الكوارث التي ورطوا فيها ملايين البريطانيين.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

يشتغل في الإعلام منذ ثلاثة عقود، وعمل في الصحافة المطبوعة والإذاعة والتلفزيون والصحافة الرقمية في عدد من المؤسسات الإعلامية منها البي بي سي وتلفزيون دبي وسكاي نيوز وصحيفة الخيلج. وساهم بانتظام بمقالات وتحليلات للعديد من المنشورات باللغتين العربية والإنجليزية

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"