الصفعة التي غيّرت التاريخ

00:28 صباحا
قراءة دقيقتين

عبد اللطيف الزبيدي

هل مرّت حقاً عشر سنوات على الربيع الخِرَبي؟ عَقد ليس بالعِقد الفريد، فقد جعل بلداناً عربية فتيتاً في ثريد. لو كان المؤرخون يعتمدون في كتابة الوقائع وتسجيل الأحداث، على «لو» كمنهجيّة، لصاروا روائيين قمماً. تخيّل لو لم تصفع تلك الشرطية البوعزيزي في سيدي بوزيد. لو لم يضرب داي الجزائر السفير الفرنسي بالمنشّة. لو لم تومض في ذهن أينشتين معادلة: الطاقة تساوي حاصل ضرب الكتلة في مربّع سرعة الضوء. لو لم يخترع الكنعانيون (الفينيقيون) الأبجدية. لو لم يوجد الفيروس التّاجي. لو لم يقتل كليب الناقة لتندلع حرب الأربعين عاماً. صفعة البوعزيزي لم تكمل عامها الحادي عشر، لكنها جعلت بلداناً شقيقة لعبة بازل.

صحيح أن التاريخ مسرحية ساخرة زئبقيّة. نزار هو القائل: «إن التاريخ نصف حوادثه تزوير». هذا أكبر دليل على أنه شاعر لا مؤرخ. إذا ادّعى أحد أنه يعلم ذرّة من حقائق الهزّات الارتداديّة لصفعة البوعزيزي، فلك أن تقهقه حتى تستلقي على ظهرك. لعلك بعد القهقهة ستتذكّر مراتب الضحك في «فقه الله» لأبي منصور الثعالبي: «القهقهة ثم القرقرة ثم الكركرة ثم الاستغراب ثم الطّخطخة، وهي أن يقول طيخ طيخ، ثم الإزهاق»، ربّما لأن روحه تزهق بعده. لكنك بعد ذلك سترفع عقيرتك مع الخنساء منشداً: «أعينيّ جودا ولا تجمدا»، لأنك لن تجد جواباً للسؤال: أليست صفعة البوعزيزي أشدّ غرابة من خفّ الناقة الذي هشمت به بيض القبّرة فشكّ كليب بالسهم خِلْفها (ضرعها، يقال أخلاف الناقة)؟ أيّ محلل سياسيّ فذّ مستشرف مقبلَ الأيام والسنين، كان يستطيع التنبّؤ بأن صفعة شرطيّة على خدّ بائع متجوّل ستطيح أنظمةً وتدمّر بلداناً وتقتل مئات الألوف وتشرّد الملايين؟ تلك الصفعة التي فتحت أسوأ صفحة في تاريخ العرب المعاصر؟

هل ينبغي لعاقل أن يبرّئ العقل العربيّ من المسؤولية التي ليست واحدة وحيدة؟ العقل العربي استعارة، كناية، تورية، مجاز، فالمقصود الشعوب العربية. بلاد الربيع الخريفي الشتويّ خانتها إدارة الأزمات فأزمها الدهر أزماً. لو رجعت الأقلام إلى أصل كل جذر لغويّ، لاستعصى على الكتّاب والأدباء والإعلاميين الإتيان بسطر. فعل أزم في الأصل عضّ. العضّات الاقتصادية، السياسيّة...أليس الربيع أخطر العض؟

لزوم ما يلزم: النتيجة اللاّمبالاتيّة: الربيع مشكلة يحلّها بيرم التونسي: «أهو ده اللي جرى..وانا معرفش».

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"