جوهر الإنسانية

00:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د.باسمة يونس

يعتمد بقاء اللغات حية على نشاطها وقدرتها السريعة على التكيف مع التغير في حياتنا وخبراتنا وثقافاتنا، ويتيح تطور اللغة السريع وقدرتها على استيعاب الأفكار والاختراعات والتقنيات الجديدة، والاندماج مع العصر بقاءها وديمومتها، وليست الكلمات فقط هي التي تتغير في اللغة، لكن الطريقة التي نستخدم بها هذه الكلمات، فكما فرض تفاعل الثقافات واختلاطها تغييراً على العالم، سيفرض التغيير نفسه على اللغات، ولن يبق منها إلا ما ولد مستعداً لاستيعاب هذه التغييرات.

قد يبدو مستغرباً وقوف البعض مع حرمان العربية من الاستعارة من اللغات الأخرى، اعتقاداً بأن ذلك سيمثل «سور أمان» يحميها من الاندثار، والأصح أن ذلك قد يعني حرمانها من البقاء، فاللغة القادرة على التواجد، والتفاهم، والتفاعل مع الآخرين، هي التي تساير كل جيل، وتدرك بأن الأجيال تبتكر لغتها اليومية التي تعرف بالعامية. ولم تعد العامية سبباً في موت اللغة، كما يعتقد البعض، لأن هناك كلمات وعبارات جديدة، تنشأ لوصف أشياء لم تكن موجودة من قبل، وهذه الكلمات المبتكرة، قد تكون في بعض الأحيان عبارة عن اندماج كلمتين كانتا موجودتين من قبل، لكنهما اكتسبتا معان جديدة على مدار الأعوام، ما يعني أن الابتكار في اللغة هو الذي يحميها ولا شك من الاندثار.

وكما تتحمل التكنولوجيا مسؤوليتها عن الكثير من التغييرات الحديثة في الكلمات، فعلينا مسايرتها لنتمكن من التطور، ولننضم إلى عالم تتسارع خطواته نحو المستقبل. ولكي نحمي لغتنا، فعلينا الالتزام بتصنيف استخداماتها إلى أنواع وفئات؛ بحيث تستخدم العربية الفصيحة للتخاطب الرسمي، والكتابة الجادة والتعليم والثقافة باستخدام مجموعة معينة من الكلمات والقواعد النحوية، أما اللهجات فهي طريقة ينطق بها الناس كلماتهم بحسب المنطقة الجغرافية التي يعيشون فيها، وتتناسب مع البيئة، وتسهل تواصلهم، وشعورهم بالفخر والتميز من خلالها.

ولأن العامية مرادف للمحادثة البسيطة، والمتحررة من قيود القواعد والرسميات، تستخدم بها الكلمات والعبارات التي تنتمي إلى المحادثة اليومية، التي وإن كانت غير رسمية، ولا تصلح للاستخدام المكتوب بشكل عام، لكنها أساسية في ما هو غير مكتوب، وغير رسمي، وفي التواصل الاجتماعي مثل كتابة بعض رسائل البريد الإلكتروني، والدردشة عبر الإنترنت، والرسائل النصية الودية والسريعة.

يعتبر المتخصصون، اللغة ظاهرة ثقافية واجتماعية ونفسية، أكثر من كونها لغة تعليم وتعلم، ويمكن للثقافات المختلفة أن تنقل كلماتها وتعبيراتها إلى بقية اللغات بصورة أسرع من أية وسيلة أخرى، وهو ما يجعل العلماء يسعون لدراستها، من أجل فهم سبب اختلاف اللغات، وليساعدوا على اكتشاف جوهر إنسانيتنا. 

واللغة تعلم الإنسان معنى الإنسانية، فالتحدث والكتابة والقراءة جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان اليومية، وأداة أساسية للتعبير وللتواصل مع الآخرين، فإن صعبت عليه لغته سيلجأ لأخرى تسهل عليه ذلك، وسيكون مضطراً لإهمالها حينما تغلق في وجهه أبواب التطور ولا يسمح له بتحريرها مما يضيق عليها الخناق.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"