عيد ميلاد استثنائي

00:23 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

تخوض البشرية هذا العام تجربة استثنائية بإحياء أعياد الميلاد تحت قيود العزل والتباعد المشددة لاحتواء تفشي فيروس كورونا المستجد في كل بلاد الدنيا، حيث تجري تجمعات مقتضبة دون ضجيج أو صخب، بينما غابت الاحتفالات الجماهيرية وتقاليد الزيارات العائلية التي أصبحت من الذكريات الجميلة، ولكنها ستعود حتماً عندما تتحرر البشرية قريباً من هذا الكابوس وتستعيد بهجة الحياة.

التجربة قاسية وستحفر عميقاً في الذاكرة الجماعية صوراً من الحرمان والقلق، ولكنها مناسبة عظيمة بقيمها وتمنح فرصة للأمل والمحبة بين الشعوب كافة بمختلف أديانها ومعتقداتها وثقافاتها. وإذا كانت المحنة الصحية الراهنة مروعة في شمولها واتساعها، فقد تجاوزت البشرية، على مدى تاريخها، محناً أسوأ وأقسى وخرجت منها ظافرة وانتصرت بإرادة البقاء. فقبل قرن من الزمان كانت «الإنفلونزا الإسبانية» في أعقاب الحرب العالمية الأولى ومات الملايين من الناس، ولكن سرعان ما انطوى ذلك الوباء خلال عامين، لتنطلق الشعوب مجدداً إلى الحياة والبناء والإعمار حتى بلغت تطوراً غير مسبوق في شتى المجالات. ورغم نشوء أزمات خطيرة، خصوصاً أثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها بقليل، إلا أن تصميم العلماء والباحثين والخبراء في المجال الطبي لم يتوقف وظل يراكم الإنجازات حتى أتت جائحة «كوورنا» وأخذت العالم غدراً دون مقدمات، ولكن بعد معركة لعام كامل، بدأت أبواب الأمل تنفتح من جديد مع توالي اللقاحات المضادة للوباء وبدء حملات التطعيم. وإزاء ما كان قبل أشهر قليلة، فإن الشروع في مواجهة الفيروس من أجمل هدايا أعياد الميلاد، وبلسم لجراحات الناس جميعاً. وإذا سارت الأمور، وفق ما هو مخطط له، فما هي إلا أسابيع قليلة حتى تعود الحياة كما كانت ولعلها أفضل.

الأمل هو النبراس الذي ينير الدرب إلى المستقبل. ولأن هذه الأيام متاحة للرجاء والتمني، فلا يجب أن يخطف التشاؤم الفرحة بالأعياد. والعبرة الباقية أن ما جرى للإنسانية درس حريّ بالتأمل والتدبر ليكون الآتي أجمل. ومثلما دفعت جائحة «كورونا» الناس إلى اجتراح أدوات للعمل والتواصل، وبفضل التكنولوجيا الحديثة، التي وفرت فضاءات افتراضية قللت من ضغوط القيود العزل، ستوفر أيضاً قنوات للتهاني والاحتفال بالأعياد المجيدة، وربما ستترك أجمل الذكريات لأنها تقترن بلحظة غير مألوفة تجتمع فيها الرغبة في قهر الوباء والتشبث بأسباب الحياة والنظر إلى المستقبل بمناظير تشع تفاؤلاً وقدرة على تجاوز هذه المرحلة الصعبة.

في العام الماضي، عندما كان الوباء يتسلل في العالم بلداً بعد بلد، احتفلت البشرية بالعام الجديد بنفس تقاليد الصخب، وتبارى المنجمون في توقع أحداث طيبة ومزعجة، ولكن لم يتوقع أحد أن تكون الأشهر الأربعة الأولى من عام 2020 بتلك السوداوية والبؤس، خصوصاً بعدما أصبحت الإصابات والوفيات جراء «كورونا» عشرات الآلاف يومياً. أما اليوم، فبالإمكان التفاؤل بأن ما مضى لن يتكرر أبداً، وأن التغلب على هذا الوباء، مع توافر اللقاحات الواعدة، لن يتطلب وقتاً طويلاً، ولكنه سيحتاج إلى كثير من الصبر والحذر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"