المهزلة الفلسفيّة وراء التنجيم

00:34 صباحا
قراءة دقيقتين

عبد اللطيف الزبيدي

هل فكر الناس، في جميع الأعصار والأمصار، في الجانب الساذج من خرافات التنجيم؟ ما يستفز العقل، هو أنه لم يخل قرن أو عام، منذ آلاف السنين، من هذه العجائب. نتناول الموضوع من زاوية مختلفة.

دع النجوم جانباً. ما يُطرح في المقام الأول قضية وجودية: مسؤولية الكائن العاقل، بصرف النظر عن خلفيّاته. لدى المسلم المؤمن، المسألة محسومة، فعلم الغيب لا سبيل إليه. أمّا المسؤولية فقد قدمها القرآن في مشهد مهيب، هي أمانة عُرضت على السماوات والأرض والجبال، فأبين حملها، فهي بالتالي أكبر بكثير من حجم الإنسان وطاقته، ولكنه أقدم على حملها. هذه الصورة تعطي المسؤولية أبعاداً كونية، فلا شك في أنها تعطي الإنسان أبعاداً كونية أيضا. هل ثمة تكريم للإنسان أعظم من هذا، مع وصفه بأنه كان ظلوماً جهولاً؟ فعل كان في الأصل يعني الكينونة، لا الماضي فقط.

في المقابل نرى المسؤولية في صميم الفلسفة الوجودية، كييركيجارد وسارتر، ولدى كل ألوان العقلانيين عبر التاريخ، من اليونانيين أفلاطون، أرسطو وأبيقور، إلى أبي العلاء «كذب الظن لا إمام سوى العقل مشيراً في صبحه والمساءِ»، ديكارت، لايبنيتز، كانط... هكذا يعني التشبث بأوهام التنجيم إلغاء للعقل، والإلقاء بسلاح الإرادة والمسؤولية، والتخلي عن الدور الإيجابي البنّاء، الذي يبرهن على جدارة الإنسان بحمل الأمانة، ولا أهمية هنا لخلفياته الثقافية والعقدية. تتراجع إنسانية الإنسان حين يتجرد من مسؤوليته عن وجوده وعن محيطه، وأن ينتظر رسم طريقه من قوى طبيعية لا عقل لها ولا إرادة ولا فعل.

من هذه الناحية يجب على الذين ينظرون إلى هذه الظاهرة كتسلية ممتعة لا غبار عليها، وإن كانت عالمية في كل المجتمعات المتقدمة والمتخلفة، أن يعيدوا النظر في انعكاساتها. الأمر بسيط لو كانت الفضائيات تعرض المنجمين ككوميديين للترفيه عن المشاهدين، فتُذهب عن القلوب الأحزان، ذلك يسرّي عن النفوس التي تكلّ كما تكلّ الأبدان. أمّا أن ينفش المنجّم ريشه أمام الكاميرا، ويقول في نفسه: الآن آن لأبي النجوم أن يمدّ رجليه،«وإذا نطقت فإنني الجوزاء»، فهذا خطر على الشعوب التي لم يكمل بعضها الخطوة التنموية الأولى على طريق الألف ميل.

لزوم ما يلزم: النتيجة اللغوية: مؤسف ألاّ تحصل من كل عوالم النجوم إلاّ أن نجوم السماء أقرب.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"