عادي

عذب الكلام

00:00 صباحا
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

التّضمينُ في البَلاغةِ: أنْ يُثبتَ الشّاعرُ أو الكاتبُ شيئاً منْ كلامِ سواهُ يوافقُ موضوعَهُ، كقولِ بشّارِ بنِ بُرْد:

وذاتِ دَلٍّ كأنَّ البَدْرَ صُورتُها

باتتْ تُغنّي عميدَ القلْبِ سَكْرانا

«إنَّ العُيون التي في طَرْفها حَوَرٌ

قَتَلْننا ثُمّ لَمْ يُحيينَ قَتْلانا» والبَيتُ الثاني لجرير. 

وقولِ ابنِ الرُّوميّ: 

إذْ مَشْيُكم مُذْكِري غناءَكُمُ

مَشْيَ الهُوينا سَواكنِ البقرِ

وإذْ فَسادي بكم يذكِّرني

«لنُفْسِدَنَّ الطوافَ في عُمرِ»

والشطر الثاني من البيت الثاني لعمرَ بن أبي ربيعة: أبْصَرْتُها لَيْلةً ونِسْوتُها

يَمْشينَ بَيْن المَقامِ والحَجَرِ قالَتْ لِتِرْبٍ لَهَا مُلاَطَفَة:

لَنُفْسِدِنَّ الطَّوافَ في عُمَرِ

دُرر النّظم والنّثر

لأبي العلاء المعرّي (من الوافر)

أيَدْفَعُ مُعْجِزاتِ الرُّسْلِ قوْمٌ

وفِيكَ وفي بَديهَتِكَ اعتِبارُ

وشِعْرُكَ لو مَدَحْتَ بهِ الثُّريّا

لَصَارَ لها على الشَّمْسِ افْتِخارُ

كأنَّ بُيوتَهُ الشُّهْبُ السَّواري

وكلُّ قَصيدةٍ فَلَكٌ مُدَارُ

أخِيرٌ حادَ عَنْ طُرُق الأوَالي

فحَارَ وآخرُ الشَّهْر السِّرارُ

ولَنْ يُحْوَى الثّناءُ بِغَيْرِ جُودٍ

وهَلْ تُجْنى مِنَ اليَبَسِ الثّمارُ؟

جَمالُ المَجْدِ أنْ يُثْنى عَلَيْهِ

ولولا الشَّمْسُ ما حَسُنَ النَّهارُ

ولِلْماءِ الفَضيلةُ كُلَّ حينٍ

ولا سِيَما إذا اشْتَدّ الأُوَارُ

ورُبَّ مُطَوَّقٍ بالتّبِر يكْبُو

بفارسِه وللرَّهَجِ اعْتِكارُ

تطاعَنَ حوْلَهُ الفُرْسانُ حتّى

كأنّ الماءَ مِن دَمِهِمْ عُقارُ

كذا الأقْمارُ لا تَشْكو وَنَاها

وليْسَ يَعِيبُها أبَداً سِفارُ

من أسرار العربية

في بياض أشياء مختلفة: السَّحْلُ: الثَّوبُ الأبْيَضُ. النَّقا: الرَّمْلُ الأَبْيَضُ. الصَبِيرُ: السَّحابُ الأبيضُ. الوثِيرُ: الوردُ الأبيضُ. القَشْمُ: البُسْرُ الأبْيَضُ الَّذِي يُؤْكَلُ قَبْلَ أَنْ يُدْركَ وهُوَ حُلْوٌ. الرِّيمُ: الظَّبْيُ الأبْيَضُ. اليَرْمَعُ: الحَجَرُ الأبْيَضُ. النَّوْرُ: الزَّهْرُ الأبْيَضُ. القَضِيمُ: الجِلْدُ الأَبْيَضُ. يقول النَّابِغَةِ:

كَأَنَّ مَجَرَّ الرَّامِسَاتِ ذُيُولَها

عَلَيْهِ قَضِيمٌ نَمَّقَتْهُ الصَوَانِعُ

الوَضَحُ: بَيَاضُ الغُرَّةِ. البَهَقُ: بَيَاض يَعْتَرِي الجِلْدَ يُخالِفُ لَوْنَهُ. الكَوْكَبُ: بَيَاض في سَوادِ العَيْنِ، ذَهَبَ البَصَرُ لَهُ أوْ لَمْ يَذْهَبْ. السَّفَرُ: بَيَاضُ النَهَار. المُلْحَةُ: بَيَاضُ المِلْحِ. الفُوفُ: البَيَاضُ في أظْفَارِ الأحْدَاثِ. الهِجَانَةُ: أَحْسَنُ الْبَيَاضِ في الرِّجَالِ والنِّسَاءِ.

هفوة وتصويب

في لُغَتِنا – وفي كثيرٍ منْ لُغاتِ العالم – أحرفٌ لثويةٌ، أي الصَّوامتُ التي يُلامسُ فيه طَرَفُ اللّسانِ اللّثَةَ الخلفيّةَ للأسنانِ العليا الأمامية؛ وهي (الثاء والذال والظاء). وبتجاوزها في النّطقِ، يتغيّرُ معنى كثير من الكلماتِ، وهي كثيرةٌ، سأوردُ كلمتَيْن، والاختلافَ الكبيرَ في مَعْنَيَيْهِما، إذا لمْ تُلفظ الحُروفُ اللثوية:

قَثَم إذا لفظت «قَسَم»؛ قَثَمَ الشيء يَقْثِمه قَثْماً واقتَثَمه: جَمَعه واجترفَهُ. والقُثَمُ والقَثوم: الجَموع للخير اقْتَثَم مالاً كثيراً إذا أَخذه، يقول الشاعر:

فَلِلْكُبَراءِ أَكْلٌ حَيْثُ شاؤوا

وللصُّغَراء أَكْلٌ واقْتِثامُ

أما القَسْمُ، فمصدرُ قَسَمَ الشيءَ يَقْسِمُه قَسْماً فانْقَسَم، والموضعُ يسمّى مَقْسِم، مثال مَجْلِس. وقَسَّمَهُ جزَّأَهُ. والقَسِمةُ الوجهُ. والقَسَمُ: اليمين. وتَقَاسَما: تَحالَفَا، وتَقَاسَما المالَ: اقْتَسَماهُ.

كلمة نجذ، إذا لفظت «نَجِزَ». النَّواجذ: أَقصى الأَضراس. والنَّجْذُ: شِدَّةُ العَضِّ بها، والكلامُ الشديدُ. وعَضَّ على ناجِذِه: بَلَغَ أشُدَّهُ. والمُنَجَّذُ، كمُعَظَّمٍ: المُجَرَّبُ، الذي أصابتْه البَلايا.

أما نَجَزَ الكلامُ، فمعناها: انقطع. ونَجَزَ الوعْدُ يَنْجُزُ نجْزاً: حَضَر، ويقال: نَجِزَ. ووَعْدٌ ناجِزٌ ونَجِيزٌ. ونَجَزَ ونَجِزَ الشيءُ: فَنِيَ وذهب؛ قال النابغة الذبياني:

وكنتَ رَبيعاً لليتامَى وعِصْمَةً

فَمُلْكُ أَبي قابوسَ أَضْحَى وقدْ نَجَزْ

من أمثال العرب

إذا رُمْتَ أمراً فلا تَعْجَلنّ 

وإلّا نَدِمْتَ على فِعْلِهِ

فما عَثْرةُ الْمَرْءِ قَتّالةٌ 

إذا كانَ يَمْشي على مَهْلِهِ

البيتان للشاعر القَرويّ، (رشيد سليم الخوري) إذ يُحذّرُ مِنَ العَجَلةِ في الأمْرِ المُرامِ، فالعجَلَةُ تورثُ النّدامةَ، وفي التروّي والأناة تهونُ العَثَراتُ.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"