الأزمة والفرصة

00:16 صباحا
قراءة دقيقتين

منذ تفشي جائحة «كورونا» وقطاع الفنون والثقافة يعيش حالة من التناقض، فبعد إغلاق معظم المؤسسات الثقافية، شهد أسلوب استهلاك الفن تحولات كبرى وجذرية مع ازدياد الطلب على المحتوى الثقافي والإبداعي الرقمي، بينما تنبأت المؤشرات الاقتصادية بأن القطاع الثقافي سيكون الأكثر تضرراً، وربما الأبطأ قدرة على التعافي والاستعادة.
وأسهمت المبادرات قصيرة المدى والتي تأسست لقياس مدى تأثر القطاع مثل الاستطلاعات أو جمع البيانات في تزويد الفنانين بالدعم المالي واللوجستي؛ لكنها ليست كافية، وهو ما جعل المثقفين والأكاديميين يناقشون مستقبل الفن، والتحديات التي تواجه الاقتصاد الإبداعي مع التركيز على آلية دعم أنماط الاستهلاك التقليدية الأكثر تأثراً، وتشجيع الأبحاث اللازمة؛ لتطوير حلول مستدامة لبقائها.
ولا شك بأن الدعم المالي يعد مهماً؛ لمساعدة المبدعين والعاملين في المجال الثقافي على التعافي؛ لكن من المهم تقييم عملية الاسترداد والتعافي والتي تختلف من قطاع إلى آخر، وهو ما يجعلنا بحاجة لدراسات تتعرف إلى أنماط الاستهلاك داخل كل قطاع، وتبين لنا مدى تأثر كل منها والطريقة الأمثل في مساعدتها على تجاوز الخسائر؛ لتحويلها إلى مكاسب.
وقد تكون القطاعات التي تتعامل مع المستهلك مباشرة مثل الفنون المسرحية والسينما على سبيل المثال هي الأكثر تأثراً بهذه العزلة، وهي الأشد حاجة لدعم تعافيها؛ لكننا لن نتمكن من توقع احتياجات الناس في أوقات الأزمات من دون دراسات متعمقة، وكذلك من أجل معرفة السلوكات المستقبلية، وماهي أنماط الاستهلاك البديلة التي يمكن اللجوء إليها من أجل دعم المثقف والصناعات الثقافية، ومساعدتها على تجنب اتخاذ قرارات غير مناسبة خلال عملية التعافي.
ويمكن لإجراء المسوحات على المستوى الوطني تحديد ما إذا كانت الأزمات الاجتماعية والاقتصادية فترات منتجة للفنون بعد أن أثبتت العزلة تاريخياً بأنها مثمرة وبأنها تعد شرطاً من شروط التطور الفكري والإبداعي؛ لكن الظروف غير المستقرة يمكن أن تؤدي أيضاً إلى خفض الجودة والاحتيال الفني، والتجارة غير المشروعة على الرغم من أن الدور الرئيسي للفن والثقافة خلال فترات الأزمات معترف به على نطاق واسع؛ كونه يعد علاجاً للهروب من القلق والعزلة.
ويتضح تأثير فترة الإغلاق على اختفاء بعض أنماط الاستهلاك التي تقام في الأماكن المغلقة والعامة مقابل بروز الفن الرقمي والمنزلي والمجاني وسهل الوصول، ما يعني حاجة بعض الأنشطة الثقافية التي تحتاج لمستهلك إلى تدخلات كبيرة من الدولة على شكل مساعدات مالية وإعانات وصناديق طوارئ وتبرعات؛ لضمان بقائها مع ضرورة تقييم كل قطاع ثقافي بناءً على مساهمته في الاقتصاد العام.
وعلى الرغم من ميل بعض المستهلكين إلى تفضيل الأنشطة الثقافية الخارجية الأقل كُلفة، والمتمثلة في زيارة المؤسسات الفنية العالية؛ لكن سوق الفن الراقي يثبت دائماً بأنه قوي وسريع التغيير؛ ليوائم الزمن ومتطلباته، وهو ما يجعلنا نجادل بأن الأزمة فرصة للمؤسسات وللصناعات الثقافية، لتجديد نماذج أعمالها وتعزيز التغييرات الهيكلية ومناسبة غير مسبوقة للابتكار والتجريب أكثر من كونها أزمة تخريب.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"