المستقبل للصحة الشاملة

00:45 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

بدء دول الاتحاد الأوروبي حملة شاملة للتطعيم الوقائي من فيروس «كورونا»؛ يعد حدثاً حاسماً، ودلالاته تتجاوز حدود الاتحاد؛ لتمنح جرعة أمل واسعة للتصدي لهذا الوباء، وستسمح لاحقاً بإعطاء دفعة كبيرة للبحث العلمي في المجال الطبي؛ لمواجهة الأمراض المستعصية والمستجدة، وعدم الاكتفاء بإنتاج لقاحات تحد من انتشار الفيروسات الخبيثة، بعدما ثبت أن الصحة البشرية العامة العالمية ليست على مايرام، وفشلت في أكبر اختبار جدي بوجه مرض غير تقليدي.

 بعد الخروج من الجائحة؛ سيتمحور الرهان الأكبر لدول العالم حول الاهتمام بالقطاعات الصحية؛ لجعلها في صدارة الأولويات، بعدما تفتحت البصائر على عواقب الاستهانة بكل ما يتعلق بسلامة الإنسان الجسدية. وقطعاً فإن للمصائب فوائد، خصوصاً إذا تم الانتباه إلى المخاطر، وتم العمل على تفاديها في المستقبل. فعلى امتداد عام كامل من المعاناة مع فيروس «كورونا»؛ صدرت تصريحات ومواقف عدة تحمل بعضاً من «جلد الذات»، واللوم على تضييع فرص ثمينة واستثمارات طائلة لم تفد حين أصبحت الوفيات؛ من جرّاء «كورونا» بالآلاف يومياً في شتى البقاع، لا سيما في الدول المتقدمة، والتي رسخت صورة لدى الرأي العام على أنها بلغت أشواطاً هائلة في التطور والحداثة. وأمام هول الكارثة، بدأت هذه الدول تراجع تاريخها وسياساتها، وتريد أن تسير في اتجاه مختلف عن السابق؛ ولأنها تتسيد القرار العالمي؛ فبإمكانها فعل الكثير، واتخاذ إجراءات من شأنها التأثير على مجرى الحياة والإنسانية.

 الاهتمام بالصحة والاستثمار فيها؛ سيكون مضمار التنافس الدولي في العقود المقبلة، بالتوازي مع الاهتمام بالبيئة والمناخ. وتأكيداً لهذا التوجه، حذرت منظمة الصحة العالمية من أن جائحة «كورونا» لن تكون الأزمة الوبائية الأخيرة، وهذا التحذير لا يضيف جديداً، فطالما هناك حياة وتفاعل بين الإنسان والمحيط، فإن هناك أمراضاً مستجدة، ولا يمكن مواجهة الجوائح المستقبلية من دون تعامل جدي مع التغير المناخي، وشؤون الحيوانات. وهذا القول لا يجب الاستخفاف به؛ بل يجب وضع استراتيجيات طموحة؛ للنهوض بالعلوم القادرة على حماية الإنسان في أدق تفاصيله الصحية، وليس في مراكمة الثروات وبناء الأسلحة وأسباب الدمار.

 مشاهد عدة جيوش أوروبية وهي تقوم بحراسة قوافل اللقاحات مع بدء التطعيم؛ طرحت مفارقة، كون هذه الجيوش المتطورة في دول متحضرة لم تتوقع أن تشهد تعبئة صحية كما هو حادث الآن. ولكن ما حدث مهم جداً، وينقض في الذاكرة الجماعية صورة تاريخية، تماماً كتلك الصور المأثورة عن الكوارث الكبرى في القرن الماضي. فمثلاً بعد الحرب العالمية الثانية، انبثق وعي جديد؛ أثّر في النخب السياسية والفكرية؛ وصنع نهضة أوروبية جديدة، أساسها التعايش والوحدة والتعاون. والاختلاف ربما يحدث أيضاً بعد الخلاص من «كورونا»، ولن تقتصر الحال على أوروبا وحدها؛ بل العالم أجمع. ومن المتوقع أن تنتصر سياسات ما بعد الجائحة على حماية المناخ ومحاربة التلوث وكل مهددات الحياة؛ لأن الأمن الحقيقي قد تعجز الجيوش والتقنيات المتقدمة عن حمايته، وإنما تصونه البيئة السليمة والصحة الشاملة حين تكون متاحة لجميع البشر.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"