حتمية إعمال الخيال

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

مع نهاية العشرية الثانية من القرن الحادي والعشرين، تبدو جوانب نقص كثيرة في الحياة الفكرية العربية، يأتي على رأسها ذلك الفقر المدقع في «الخيال»، بحيث لا نعثر على تلك المفردة، في جوانب ثقافتنا المختلفة، وحتى إذا تطرق بعضهم وكتب في الموضوع، فإنه يتعرض للسخرية وتعتبر أطروحاته مفارقة لمشكلات العرب، وما أكثرها، أما إذا أصدر أحدهم رواية تنتمي إلى ذلك الجنس المسمى ب«أدب الخيال العلمي» فإنه لا يسلم من النقد السلبي، فنحن العرب لا ننتج العلم، وبالتالي يُطرح السؤال المشروع عن أي بيئة يتحدث هذا الروائي؟

 والأكثر مرارة استخدامنا لكلمة «خيال» ومدلولاتها في أحاديثنا العادية اليومية، فهي تحيل مباشرة إلى ذلك الفضاء المنفلت من عقاله، الذي لا يخضع لأي منهج أو رؤية أو تخطيط، ولا يمكن التحكم فيه أو الهيمنة عليه، ولا ينتمي إلى واقعنا وهمومنا، هو في أحسن تقدير نوع من الفانتازيا التي يجب أن تقتصر على الشعراء.

 إن أسطورة الخيال الأساسية في ثقافتنا متعددة الأبعاد، يأتي على رأسها تلك الأطروحة السخيفة التي تؤكد أن إعمال الخيال العلمي فكرة حديثة، ولكن في القرن الخامس عشر وضع ليوناردو دافنشي مخططات لطائرة ومدرعة قتال وآلة حاسبة.. إلخ، أما الإنجليزي فرانسيس جودوين فنشر في عام 1638 كتاباً بعنوان «الإنسان في القمر»، يدور حول بطل ينجح في اختراع طائرة عملاقة تستطيع السفر إلى القمر في اثنى عشر يوماً. أما الأطروحة السخيفة الثانية فتذهب إلى أن الخيال الذي نريده في العالم العربي يجب أن يرتبط بالعلماء فقط، ويحتاج إلى مختبرات بحثية فائقة التقدم، ولكن تاريخ العلم نفسه يثبت العكس، فالأدب والفن كانا دائماً يقودان العلم نحو المستقبل، ويعتبر التشيكي كارل تشابك أول من صك مصطلح «روبوت» في إحدى مسرحياته عام1921.

 لا مستقبل من دون إعمال الخيال، على المستويات كافة: الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، ونحن نركز في إعلامنا على الفضاء وإمكانية الحياة خارج كوكب الأرض، ولكن هناك تصورات متكاملة عن مدن مستقبلية مائية يمكن أن يسكنها البشر في حال تحولت مشكلة المناخ إلى كارثة مفاجئة تتطلب العلاج السريع.

 بات الخيال يمتلك النظريات والمناهج والأدوات التي تجعله أشبه بمنظومة علمية متكاملة، ولم يعد رفاهية تمارسها نخبة معزولة في البرج العالي، وأصبح أولوية ملحة للحياة نفسها وإيجاد مكان في عالم يتصارع على من يفوز في سباق «الإبداع»، وتلك كلمة ملغزة بدورها، ولكنها ترتبط عضوياً بالخيال، فلا خيال من دون إبداع، ولكن إذا كان نصيبنا في إعمال الخيال متواضعاً فكيف نوزع مصطلح «الإبداع» ومشتقاته بالمجان وبشكل يومي في إعلامنا وثقافتنا؟.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"