اتفاقية المناخ.. المراجعة الأولى

00:03 صباحا
قراءة 3 دقائق

في الذكرى الخامسة على ولادة اتفاقية باريس للمناخ التي تم التوقيع عليها في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، تحضر المخاطر الطبيعية بقوة على الساحة الدولية، وسط إنهاك يعيشه العالم من جراء جائحة كورونا. وقد أكد المؤتمر الافتراضي الذي رعته الأمم المتحدة وترأسته بريطانيا بمناسبة المراجعة الأولى، المخاطر الجمة المتأتية من الممارسات العشوائية التي تغلب على التعاطي مع القطاعات المسببة للانبعاثات الحرارية، لا سيما القطاع الصناعي ومحركات السيارات ومحطات توليد الطاقة.
أهمية مؤتمر المراجعة الأولى التي نصّت عليه اتفاقية باريس، والذي يفترض أن يجري كل خمس سنوات، كان من خلال إعلان الصين الواضح، الالتزام بخفض انبعاثات الغاز السام من معاملها إلى حدود 18%، وهي أكبر دولة منتجة لهذه الانبعاثات في العالم. 
والخبر السار الثاني الذي أنعش جهود المشاركين في المؤتمر، كان إعلان الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن، عزمه مناصرة الجهود القائمة للحد من الكوارث الطبيعية المتأتية من الاضطرابات المناخية، ومنها إعادة الولايات المتحدة إلى العضوية في اتفاقية باريس، بعد أن كان الرئيس دونالد ترامب انسحب منها عام 2017، بحجة أنها تُقيِّد حركة رجال الأعمال، وتؤثر سلباً في القطاع الصناعي الأمريكي.
اتفاقية باريس للمناخ لعام 2015 التي صادقت عليها 197 دولة، كانت خلاصة تجارب مريرة عاشتها الدبلوماسية العالمية الباحثة عن ضوابط لمسببات الكوارث البيئية، منذ إعلان اتفاقية الإطار في قمة الأرض التي عقدت في البرازيل عام 1992. وقد أعاد مؤتمر كيوتو في اليابان عام 1997 جدولة الأولويات لهذا الاتفاق، وركز على ضبط انفلات القطاع الصناعي على وجه الخصوص؛ كونه المصدر الأول للتلوث، ووضع حوافز مُغرية للدول والشركات الملتزمة بالمعايير البيئية، بما في ذلك تقديم مساعدات مالية، وإعفاءها من بعض الرسوم الجمركية ومن حزمة من الضرائب، لكن كل تلك الجهود لم تصل إلى المبتغى المطلوب، والدول الصناعية السبع الكبرى التي التزمت بتخفيض الانبعاثات إلى ما دون 17%، لم تفِ بكامل تعهداتها، وبقي هذا التخفيض دون 5,5%.
أدركت الولايات المتحدة التي انسحبت من اتفاقية باريس  وكانت قد انسحبت من اتفاقية كيوتو عام 2005 أيام الرئيس الأسبق جورج بوش الابن أيضاً  أن الكوارث الطبيعية تتزايد، وتُصيب الأراضي الأمريكية أكثر من غيرها، وقد تضاعفت الحرائق كما تنامت قوة الأعاصير التي تُصيب البلاد.
والصين عادت والتزمت  في المراجعة الأخيرة  بمندرجات اتفاقية باريس، وأبدت تجاوباً كبيراً مع طروحات المؤتمرين، وتعهدت بخفض الانبعاثات السامة إلى ما يقارب 65%، مما عليه الحال في الصين حالياً، كما التزمت بدفع المساهمة المفروضة عليها في صندوق المناخ الأخضر الذي أنشئ لتمويل المشروعات المناسبة للبيئة برأسمال 100 مليار دولار أمريكي، واستفادت منه عدة دول.
الإيجابية الواضحة التي طرأت على الموقفين الأمريكي والصيني من اتفاقية المناخ، تعطي بعض الأمل للخروج من النفق الرمادي الخانق التي دخلت فيه الإجراءات التي تُحدّ من تلوث الغلاف الجوي الذي ثبت أنه يبعث على الاضطراب في الدورة المناخية. 
والعالم الذي لم يتمكن من الالتزام بتعهداته في اتفاقية باريس، يستبشر خيراً بالتوجهات الدولية الجديدة؛ ذلك أن مخاطر ارتفاع درجة حرارة الأرض، والكوارث الطبيعية التي يسببها الاحتباس الحراري أكبر من قدرة أية دولة على تحملها.
والخبراء المتابعون لتطور تأثيرات العوامل الطبيعية في الإنسان، يؤكدون أن ارتفاع درجة حرارة الأرض سيؤدي إلى ارتفاع منسوب البحار، وبالتالي إلى غرق شواطئ مهمة في مناطق عديدة من العالم، بينها جزء من مدن حيوية في حوض البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي وغيرها. ودرجة الحرارة التي سُجِّلت في الكويت عام 2017، ووصلت إلى 53,7 مئوية، كانت رقماً قياسياً لم يُسجل في العالم من قبل، وهو مؤشِر مُقلق، ولا بد من التوقف عنده.
أما الكوارث الطبيعية غير المسبوقة التي تكرر حصولها، كما في انجراف التربة في الصين وفي موجات التسونامي في اليابان، وفي أعاصير الولايات المتحدة، وحرائق غابات الأمازون المُعمِّرة في البرازيل، وفي الهطولات المطرية الغزيرة في مدينة جدة، وفي بعض دول الخليج العربي، وعلى السواحل اللبنانية والسورية، والفيضانات المخيفة التي حصلت في السودان في غير موسمها نهاية الصيف الماضي.. كل ذلك يستدعي من العالم وقفة مسؤولة للحد من الخسائر ووقف الانهيار، بإجراءات جدية تكفل الاستدامة للبشرية جمعاء.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

دكتوراه في العلوم السياسية والقانون الدولي العام.. أستاذ محاضر في الجامعة اللبنانية.. له 10 مؤلفات وعشرات الأبحاث والمقالات والدراسات في الشؤون الدولية..

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"