النبش في دفاتر «نوستراداموس»

01:10 صباحا
قراءة دقيقتين

عام الزلزال، عام الوباء، عام العزلة، عام الحزن، عام الابتلاء.. كثيرة المسميات التي يمكن أن تطلقها على 2020 الذي قلب أحوال العالم، وهز الكرة الأرضية، وجعلنا نعيد حساباتنا في كل شيء، ونتقوقع على ذواتنا، ونبحث عن منافذ للخروج من هذه الكارثة أو الحرب الصحية التي طالت كل البشرية. 
هو عام غريب وفريد، وكأنه حمل في جعبته خلطات من الوجع والقهر والقلق ليرشها فوق الكرة الأرضية ويرسم السماء بألوان رمادية يظللها بضباب يجعل رؤيتنا لكل أشكال المستقبل سواء كان بعد لحظات أو ساعات أو أيام أو أبعد من ذلك غير واضحة ولا موحدة. 
هذا المساء سيهرول المنجمون لملء الشاشات والصحف والصفحات بكلام و«تنبوءات» عن العام الجديد، هل تصدقونهم بعدما فشلوا جميعاً بلا استثناء في رؤية الوباء وهو آت بمنجله ليحصد ملايين الناس؟ هل قالوا لكم أن هذا «الشيء الصغير الخفي» سيربك العالم ويجعل الكرة الأرضية تلف حول نفسها أكثر وأكثر كغير عادتها، كمن يبحث عن شيء فقده أو عن مخرج من مأزق؟ هل أخبروكم أن الوباء سيكمم أفواهنا ويبني جدار العزل بيننا وبين أهلنا وأحبتنا ويوقف عقارب الحياة ليمشي الوقت وحده قدماً فيما نحن نراوح في أماكننا؟
هذا المساء سيطل الدجالون علينا، بأي عين سينظرون إلى من بشروهم بعام نجاح وإنجازات وتقدم، فإذا بهم بلا عمل أو بلا حبيب أو قريب بسبب الوباء؟ وبأي حق سيتحدثون عن الغد الذي يجهلون حتى لونه كيف سيكون؟ 
لم يعرف الإنسان على مدى التاريخ حزناً دائماً، ولا عاش في جحيم تام على الأرض، بل حلت عليه مع كل محنة نعمة النور وإشراقات الأمل من مختلف الاتجاهات، والعام الذي يلبس آخر أثوابه ويحزم آخر حقائبه ليرحل، لم يأت بالبلاء بلا أسباب، ولم يرش الظلام والحزن دون أن يترك فسحات نرى منها الأمل، ولم يكبل الإنسان ويجبره على الانزواء دون أن يتحداه ليوقظ فيه الضمير ويجبره على التمهل والنظر بعين القلب على الدنيا وأحوالها وما آلت إليه بسبب أفعاله وأنانيته وجبروته. لم يأت إليه بالكارثة إلا لتتضح الرؤية، ويستنير العقل، ويستفز ذكاءه فيجد المخرج سريعاً ويواجه الداء بالدواء. 
يعلم الإنسان جيداً أن الغد بيد الله وحده، لكنه لا يعمل أبداً من أجل يومه فقط، بل كل ما في الحياة يحرضه على التخطيط والتفكير والعمل من أجل المستقبل ومن أجل التطوير، وسيبقى يرى الغد بخياله مزهراً ومشرقاً، فلا تقطعوا حبال الأمل ولا تشوهوا متعة الحلم بالغد الآتي والعام الجديد، بفبركة «التنبوءات» وبإعادة النبش في دفاتر «نوستراداموس» وكأنه يعيش بيننا ويسيرنا حتى يومنا هذا.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"