مسيرة الحضارة

00:27 صباحا
قراءة دقيقتين

المعروف أن مسيرة الإنسان في هذا العالم هي مسيرة بناء الحضارة، أما الأحداث والوقائع التي تبرز على فترات زمنية، وتهدد هذه المسيرة؛ فهي أحداث طارئة يكون مبعثها في الأغلب تراث التخلف أو الأنانية والإهمال في أحيان أخرى.
 وبرز  خلال الفترة الماضية  تهديدان من هذا النوع، هددا حياة البشر من ناحية، ومسيرة الإنسان نحو كمالات إبداعاته في مجالات العلوم والفكر والثقافة والفنون والابتكارات من ناحية أخرى؛ لكن الضمير الإنساني وقوة الإرادة البشرية لم يخضعا لانحراف الطريق، ولم يصبرا طويلاً على التهديدات التي تطال حياة الإنسان وكرامته ومنجزاته الحضارية.. وكان التعاون الدولي هو كلمة السر في تنسيق الجهود؛ لمكافحة الظواهر والمهددات، واستعادة وتيرة الحياة الآمنة والمستقرة.
 وخلال المرحلة الماضية، وفي ذروة صعود موجات التطرف والكراهية التي بدأتها جماعات الإرهاب؛ برز للعالم تنظيم «داعش» الذي عكس الجماعة الأكثر جرأة، والأشد وحشية ودموية بين جماعات الإرهاب الديني، كما أن سيطرته على مساحات واسعة من أراضي العراق وسوريا؛ مكّنته من تمديد نفوذه؛ ليشكل تهديداً للحياة ليس في المنطقة العربية فقط؛ لكن في أنحاء واسعة من العالم.
أمسك هذا التنظيم بتلابيب العالم، وأمعن في ارتكاب الجرائم الشنيعة والفظاعات، وأدار ماكينات القتل الجماعي والتفجيرات الانتحارية، وقطع رقاب الأفراد وحرقهم وتقطيع أوصالهم، والتمثيل بالجثث بطرق غاية في البشاعة، هادفاً من وراء ذلك إلى استعادة مراحل الهمجية القديمة، وتدشين تاريخ جديد للحياة الإنسانية، عنوانه العنف الوحشي، ونشر الرعب والفوضى والفزع؛ لضمان إذعان المجتمعات والحكومات لسلطته ونفوذه.
 لكن هذا التهديد الذي استهدف ضرب مظلة الأمان التي تعيش في ظلها الشعوب والأمم زال وتبدد باستخدام الوسائل الأمنية المنسقة لدول العالم المختلفة. ويمكن القول إنه اعتباراً من عام 2020، تقوضت خطورة التنظيم، وتراجع تأثيره، وفقد قدرته على الحركة، وأصبح مطارداً وعاجزاً عن التسبب في الأضرار.
 أما التهديد الآخر الذي تعرضت له الحياة الإنسانية في بُعدها الكوني؛ فقد تمثل في ظهور وباء كورونا الفتاك. وقد شكل الفيروس خطراً ماحقاً على الحياة، وتحدى الإرادة والعقل الإنسانيين. ومبعث خطورة هذا الفيروس الذي أصاب أكثر من 80 مليون شخص، وحصد أكثر من مليون ونصف المليون شخص، فإنها تتمثل في أنه يسمم الهواء الذي يستنشقه الناس، وينتشر بينهم بسرعة غير مسبوقة، وتبدلت معه كافة الأشكال الاجتماعية والاقتصادية للحياة.
 لقد انتشر الرعب مجدداً؛ لكن ما حدث أن العقل البشري تصدى للمواجهة تدعمه وتسانده قوة التعاون والتضامن السحرية. وما حدث الآن أن جهود العلماء أثمرت عن طرح أكثر من 5 لقاحات مضادة للفيروس. لقد انخرط العلماء منذ اللحظات الأولى لظهور الفيروس في مدينة ووهان الصينية، في أبحاثهم المعمقة والمضنية؛ لدراسة الوباء الجديد، واستكشاف نقاط قوته وضعفه.
 كان العقل البشري في حالة يقظة كاملة، وهو الحارس لمسيرة الحضارة الإنسانية، ونجحت جهوده المنسقة في كسب معركة اللقاحات، وبناء حائط الصد الذي يضمن محاصرة الوباء وسلالاته المتحورة، وإبعاد خطره وتعزيز مناعة الأفراد والجماعات.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"