اختراع الأمل

00:37 صباحا
قراءة دقيقتين

يحيى زكي

عندما فتحت باندورا في الأسطورة صندوقها السحري، خرجت منه كل الشرور التي عرفتها البشرية لاحقاً، لكن في النهاية خرج ضوء ساطع هو الأمل.

أما الفيلسوف والسياسي الروماني بوثيوس، فكتب وهو في سجنه ينتظر تنفيذ حكم الإعدام كتابه الذي جاء بعنوان «بؤس الفلسفة»، وناقش فيه طبيعة الإرادة الحرة والفضيلة والعدالة، لم يقع بوثيوس فريسة اليأس، ولم يغرق في أحزانه ويبكي على نفسه، ولم يلعن حظه، لكنه تشبث حتى النهاية بقبس من أمل.

 يخبرنا التاريخ عموماً أن اليأس والتشاؤم والتعاسة، مفردات هيمنت على العصور الوسطى في أوروبا، و الملاحظ أنها الأحاسيس نفسها التي نعيشها في العالم العربي، مما يطرح السؤال: هل نعيش الآن عصورنا المظلمة الخاصة بنا؟

 إن أية مقارنة سريعة ستخبرنا أن أحوالنا الواقعية أفضل بكثير من تلك الفترة المظلمة في التاريخ الغربي، نعم ينقصنا الكثير لكي نلحق بالعالم المتقدم، لكن أوضاعنا ليست مأساوية بالمطلق، إذاً أين الخلل؟

 إن قدر الحزن والانكسار الذي نلمحه في آدابنا وفنوننا وحتى وسائل إعلامنا كفيل بإعاقة أية نهضة ننشدها في المستقبل، وفي الوعي واللاوعي هناك إحساس بأننا بتنا عالقين في مرحلة تدهور لا نهاية لها، هي حالة ثقافية عامة لم تشهدها أي أمة تعرضت لهزائم وكوارث أشد تأثيراً مما مررنا به، وكأننا نعيش لحظة انحطاط رسم ملامحها ببراعة ابن خلدون في الماضي.

إذا فتحنا مدونة الفكر العربي المعاصر، سنلاحظ سطوة ومركزية لابن خلدون، فالكثيرون من نخبتنا مبهورة به على مستوى تأسيسه لعلم جديد، وهو العمران، أو علم الاجتماع، حتى أصبح بمثابة الأيقونة المعرفية، لكن هذه النخبة لم تتوقف كثيراً لتتأمل في أن صاحب «المقدمة» زامن تراجع الحضارة العربية الإسلامية؛ حيث كان قريب العهد من آثار سقوط بغداد على أيدي هولاكو 1258، وعايش تدمير تيمورلنك لبغداد و دمشق في بدايات القرن الخامس عشر، وبداية ضعف دولة المماليك، وأفول شمس الأندلس، وكتب عن أسباب قوة الدول، لكنه برع أكثر في توصيف عوامل الانهيار، وهذا التوصيف بأبعاده المختلفة هو ما أثر بقوة في الأغلبية الساحقة من مفكرينا، من باب عزاء النفس والعودة إلى التاريخ لمعرفة جذور التراجع.

 ولكن هذا الحس الدرامي تسرب ببطء إلى مجمل المنتج الثقافي العربي المعاصر، ولا يمكن إلقاء الكرة في ملعب ابن خلدون، أو تحميله مسؤولية ما نشعر به، فالرجل كان وفياً لعصره، لكنه يحتاج إلى وقفة لإعادة تقييم رؤيتنا له.

غياب الأمل في حياتنا مشكلة متعددة الأبعاد، يأتي في مقدمتها الفكر، الذي يجب عليه البحث عن الأمل بكافة السبل حتى لو اضطر لاختراعه اختراعاً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"