عادي

عذب الكلام

23:46 مساء
قراءة 3 دقائق
1

إعداد: فوّاز الشعّار

لُغتنا العربيةُ، يُسرٌ لا عُسْرَ فيها، تتميّز بجمالياتٍ لا حدودَ لها ومفرداتٍ عَذْبةٍ تُخاطب العقلَ والوجدانَ، لتُمتعَ القارئَ والمستمعَ، تُحرّك الخيالَ لتحلّقَ بهِ في سَماءِ الفكر المفتوحةِ على فضاءاتٍ مُرصّعةٍ بِدُرَرِ المَعْرفَةِ. وإيماناً من «الخليج» بدورِ اللغةِ العربيةِ الرئيسِ، في بناءِ ذائقةٍ ثقافيةٍ رفيعةٍ، نَنْشرُ زاويةً أسبوعيةً تضيءُ على بعضِ أسرارِ لغةِ الضّادِ السّاحِرةِ.

في رحاب أم اللغات

الإِرصادُ في اللّغةِ: التّهْيِئةُ والإِعدادُ، يقال: أرْصَدَ الشَّيْءَ للشّيءِ إذا أعَدَّه له، مثل: أرصدَ الفرسَ للطِّراد. وفي البلاغةِ التهيئةُ بلفظٍ للفظٍ، ومنه قولُ دُرَيْد بن الصِّمَّة: إذا لَمْ تَستَطِعْ شَيئاً فَدَعْهُ

 وجاوِزْهُ إلى ما تَستَطيعُ

فكلمة «تَسْتطيعُ» يقولُها السّامعُ قبلَ أنْ ينطقَ بها المُتكلّم. وقولُ البُحْتريّ:

أَحَلَّتْ دَمِي مِنْ غَيْرِ جُرْمٍ وحَرَّمَتْ

بِلاَ سَبَبٍ يَوْمَ اللِّقَاءِ كَلامِي

فَلَيْسَ الَّذي حَلَّلْتِهِ بِمُحَلَّلٍ

وَلَيْسَ الَّذِي حَرَّمْتِهِ بِحَرَامِ

وكذا الأمر في كلمتي «محلّلٍ»، و«حَرامِ».

دُرر النّظم والنّثر

قَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: لَيْسَ مِنْ الْكَرَمِ عُقُوبَةُ مَنْ لَا يَجِدْ امْتِنَاعاً مِنَ السَّطْوَةِ. وأَحْسَنُ الْمَكَارِمِ عَفْوُ الْمُقْتَدِرِ، وجُودُ الْمُفْتَقِرِ. وشَرَفُ النَّفْسِ أَنْ تَحْمِلَ الْمَكَارِهَ كَمَا تَحْمِلُ الْمَكَارِمَ. واحْتِمَالُ السَّفِيهِ خَيْرٌ مِنْ التَّحَلِّي بِصُورَتِهِ، وَالْإِغْضَاءُ عَنِ الْجَاهِلِ خَيْرٌ مِنْ مُشَاكَلَتِهِ. ومَا أَفْحَشَ حَلِيمٌ وَلَا أَوْحَشَ كَرِيمٌ. وقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا أَدْرَكْتُ أُمِّي فَأَبَرُّها، وَلَكِنْ لَا أَسُبُّ أَحَداً فَيَسُبُّها؛ ففِي إعْرَاضِك صَوْنُ أَعْرَاضِك. الْحِلْمُ حِجَابُ الْآفَاتِ. وأَكْرَمُ الشِّيَمِ أَرْعَاها لِلذِّمَمِ. ومَنْ ظَهَرَ غَضَبُهُ قَلَّ كَيْدُهُ. وغَضَبُ الْجَاهِلِ فِي قَوْلِهِ، وَغَضَبُ الْعَاقِلِ فِي فِعْلِهِ؛ إذَا سَكَتَّ عَنِ الْجَاهِلِ فَقَدْ أَوْسَعْتَهُ جَوَاباً وَأَوْجَعْتَهُ عِقَاباً. وإذَا كَانَ الْحِلْمُ مَفْسَدَةً، كَانَ الْعَفْوُ مَعْجَزَةً؛ فالْعَفْوُ يُفْسِدُ مِنَ اللَّئِيمِ بِقَدْرِ إصْلَاحِهِ مِنْ الْكَرِيمِ. والْغَضَبُ عَلَى مَنْ لَا تَمْلِكُ عَجْزٌ، وَعَلَى مَنْ تَمْلِكُ لُؤْمٌ. وقَالَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ: إيَّاكَ وَعِزَّةَ الْغَضَبِ فَإِنَّهَا تُفْضِي إلَى ذُلِّ الْعُذْرِ. ولَيْسَ مِنْ عَادَةِ الْكِرَامِ سُرْعَةُ الِانْتِقَامِ، وَلَا مِنْ شُرُوطِ الْكَرَمِ إزَالَةُ النِّعَمِ. وقَيلَ: الْخَرَسُ خَيْرٌ مِنْ الْكَذِبِ وَصِدْقُ اللِّسَانِ أَوَّلُ السَّعَادَةِ. ولَا سَيْفَ كَالْحَقِّ، وَلَا عَوْنَ كَالصِّدْقِ. ومَنْ قَلَّ صِدْقُهُ قَلَّ صَدِيقُهُ.

من أسرار العربية

في الشَّجَاعَةِ وتَفْصِيلِ أحْوَالِ الشُّجَاعِ: الشَّديدُ القَلْبِ الرَّابِطَ الجَأْشِ: زِيرٌ وَمَزْبِر.

اللَّزُومُ لِلقِرْنِ لا يُفارِقُهُ: حَلْبَسٌ. (القِرْنُ: الكُفْءِ والنّظير في الشجاعة والحرب، ويجمع على أَقران). الشَّدِيدُ القِتالِ اللَّزُومُ لِمَنْ طَالَبهُ: غَلِثٌ. الجَرِيء عَلَّى اللَّيْلِ: مِخَشٌّ ومِخْشَفٌ. المِقْدامُ عَلى الحَرْبِ العالِمُ بأحْوَالِها: مِحْرَبٌ. المُنكر الشديد: ذَمِرٌف. فيهِ عُبُوسُ الشَّجَاعَةِ والغَضَبِ: بَاسِلٌ. لا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ يُؤْتَى لِشِدَّةِ بَأسِهِ: بُهْمَةٌ. الذي يُبْطِلُ الأَشِدَّاءَ والدِّمَاءَ، فَلاَ يُدْرَكُ عِندهُ ثَأْر: بَطَلٌ. الذي يَرْكَبُ رَأْسَهُ لا يَثنِيهِ شَيْء عَمَّا يَرِيدُ: غَشَمْشَمٌ. لاَ يَنْحَاشُ لِشَيءٍ: أيْهَمُ.

وفي تَفْصِيل أوْصَافِ الجَبَانِ وترتيبِها: رَجُلٌ جبَانٌ وهَيَّابَة، ثُمَّ مَفْؤُودٌ: إذا كانَ ضَعِيفَ الفُؤَادِ.

ثم وَرعٌ ضَرِعٌ: إذا كانَ ضَعِيفَ القَلْب والبَدَنِ. ثُمَّ مَنْخُوب ومُسْتَوْهِل: إذا كانَ نِهَايةً في الجُبْنِ.

ثُمَّ رِعْدِيدَةٌ ورِعْشِيشَةٌ: إِذا كانَ يَرْتَعِدُ ويرتَعِشُ جُبْناً.

هفوة وتصويب

يقولُ بعضُهم: «وكان ثوبُهُ داكناً»، وهي خطأٌ، والصّوابُ «أدكنَ»، والمؤنّثُ «دكناء» لأن الدَّكْنَ والدَّكَنَ والدُّكْنةَ: لونٌ، كلونِ الخَزِّ الذي يَضْرِبُ إلى الغُبْرَةِ بيْن الحُمْرةِ والسّوادِ؛ وفي «الصّحاح»: يَضربُ إلى السَّواد. دَكِنَ يَدْكَنُ دَكَناً وأَدْكَنَ، وهو أَدْكَنُ، ونقولُ خَضِرَ خُضْرةً فهو أخْضَرُ وهي خضراءُ، ولا نقولُ خاضِرٌ وخاضرةٌ.. وكذا بقيّة الألوان.

وقال رؤبة يخاطب بلالَ بنَ أَبي بُرْدة:

فاللهُ يَجْزِيكَ جَزاءَ المُحْسِنِ

عن الشرِيف والضعِيفِ الأَوْهَنِ

سَلِمْتَ عِرضاً ثوبُهُ لم يَدْكَنِ

 وصافياً غَمْرَ الحِبا لم يَدْمَنِ

ودَكَن المتاعَ يَدْكُنهُ دَكْناً ودَكَّنهُ: نَضّدَ بَعْضَهُ على بَعْضٍ؛ ومنه «الدُّكان» مُشْتقٌّ من ذلك.

من أمثال العرب

هَدايا الناسِ بَعضِهِمُ لِبَعضٍ

تُوَلِّدُ في قُلوبِهِمُ الوِصالا

وَتودِعُ في الضَميرِ هَوىً وَوُدّاً

وَتَكسوهُم إِذا حَضَروا جَمالا

البيتان لدعبل الخزاعي، يحثّ فيهما على تبادل الهدايا، فهي تريحُ الأنفسَ، وتعمّق الروابط الإنسانية الراقية، لا سيما في المناسبات، لأنها تملأ الأعين بهاء وحسناً.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"