مآسي انسحاب النخب

00:10 صباحا
قراءة دقيقتين

هل ستتهم هذا المبحث بأنه أسطوانة مشروخة؟ ما كل تكرار بلا طائل. بل إن ما يدعو إلى الدهشة، هو أن المُعاد المكرور لم يعد يجدي، كأن سرعة البديهة فقدت البداهة، كأنها أصابتها البلاهة، أو قيل لا تلزمنا «بلاها». هذا الموضوع في نظر القلم أبو الأطروحات وكيّالها: قضية دفع عجلات المركبة العربية على طريق العلوم والتقانات.
المعمّى الأغرب هو أن للعالم العربي عشرات الألوف من أساتذة العلوم وخبراء التقانة. هل ستصرخ مرّة واحدة صيحة في وادٍ، ثم تعود إلى جحر الوجوم بلا هجوم؟ الفضائيات تقع عليها المسؤولية بالدرجة الأولى. من شاهد هؤلاء على الشاشات، في حوارات، برامج تفاعلية، إبداعات وثائقية، محاضرات. بصراحة، بليت ألف «دقة قديمة»، فدار لقمان على حالها. المشرفون على القنوات يتذرعون بأنها تستضيف أعداداً هائلة من أهل النظر في شؤون الفيروس التاجي. حسناً، لقد تحركتم على نحو معقول في كارثة كورونا، لكن كم يحتل اللعين من هذه الأرض ومن الكون لكي تبث الفضائية 24 ساعة على 24، تُكره الخلائق على تجرّع نشرات الأخبار 24 مرة في اليوم. نصيب الفرد ما لا يقل عن أربع نشرات أو خمس. هل ارتفع منسوب وعي العرب؟ هل صاروا أفضل فهماً وإدراكاً وتحليلاً وأدرى بالقرار من أين تؤكل كتفه؟ من المنظّر الإعلامي العبقري الذي أفتى بأن الإنسان يحتاج إلى اجترار الخبر 24 مرة يومياً؟
استيقظ باكراً في باريس ولندن وجل العواصم الأوروبية، افتح التلفزيون، تجد الوزير، المدير، الخبير، رئيس التحرير، الكاتب النّحرير، في الاستوديو على الهواء، يبحثون القضايا المطروحة أو التي ستطرح في ذلك اليوم: سياسة، اقتصاد، علوم، تقانة، ثقافة، فكر، فن... الرؤوس الكبرى، والأدمغة المتوقدة علوماً ومعارف، تنير للأذهان دروب الفهم والمشاركة في القرار. أمّا في العالم العربي فأهل الذكر في جميع الميادين، يذهب كل واحد إلى وظيفته يؤديها ويعود إلى بيته عندما ينتهي الدوام. يقول: أنا تخرجت بشهادة، حصلت على وظيفة، أنجز عملي والسلام عليكم، ما علاقتي بالرأي العام، بالوعي العام؟
يبقى التناقض المخجل: أن تتخلف ثلاثة أرباع الشعوب العربية، ليس هزيمة حضارية في نظر أولئك، لكن أن يُهزم فريق في كرة القدم، ففاجعة تاريخيّة، فيا سماء أمطري حمماً ويا براكين تفجّري.
لزوم ما يلزم: النتيجة الحاسمة: حين تنسحب الأدمغة الدامغة، لا تسمع غير قرع الجماجم الفارغة.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"