عادي

الإصابة الخفيفة بالفيروس.. تزيد المناعة أثناء الأوبئة

20:14 مساء
قراءة 4 دقائق
1
1
1


وجدت دراسة تاريخية أن الإصابة بكمية ضئيلة من الفيروسات، مثل تلك التي يتعرض لها المرء أثناء ارتداء الكمامات، قد تحسّن من معدلات البقاء على قيد الحياء أثناء انتشار الأوبئة.
ودرس باحثون من مدينة هاميلتون في كندا آلاف السجلات الأسبوعية التي توضح بالتفصيل وفيات الجدري في لندن خلال الأعوام من 1664 إلى 1930. وتوفر النتائج التي توصلوا إليها رؤى جديدة حول تطور الأمراض المعدية، وتوضح كيف أثرت الظروف المتغيرة على معدلات تفشي المرض وشدته.

إن أول ضحية يوثقها التاريخ لمرض الجدري هي الفرعون رمسيس الخامس ملك مصر، الذي توفي في عام 1157 قبل الميلاد، ولا تزال مومياؤه تحمل ندوب المرض.
وعندما انتقل الجدري مع الإسبان إلى هيسبانيولا، والتي تعرف الآن بـ (هايتي وجمهورية الدومينيكان)، وأقاموا فيها مزارع لقصب السكر في عام 1509، فتك المرض بـ 2.5 مليون مواطن أصلي في غضون عقد من الزمن.
ومنذ أكثر من مئتي عام، اكتشف الطبيب إدوارد جينر أمراً حاسماً أدى إلى تطوير أول لقاح للجدري؛ إذ وجد أن العاملات في حلب الأبقار واللواتي أصبن بجدري الأبقار من خلال العمل بالقرب من الحيوانات، تكونت لديهن مناعة من الجدري البشري. وبقي المرض متفشياً في بريطانيا حتى عام 1935.
وكان آخر انتشار كبير للجدري في أوروبا في عام 1972، عندما عاد أحد الحجاج المصابين إلى يوغوسلافيا من مكة المكرمة وأصاب 175 شخصاً بالعدوى، وقامت الحكومة على إثرها بتطعيم 20 مليون شخص باللقاح.
وقد أطـــــلق الأطباء حول العالــــم حملة تلقــــــيح واسعة النطاق للقــــضاء على مرض الجـــدري؛ حيث نجحت الجهـــــود بالقضاء عليه تماماً في أواخر سبعينيات القرن الماضي.
يشار إلى أنه طُلب من جميع الدول تدمير مخزوناتها من الفيروس، أو تسليمها إلى منشآت أمنية مشددة في الولايات المتحدة أو روسيا، حيث كان يخشى بأن جماعات إرهابية قد حصلت على إمدادات من الفيروس من روسيا في ثمانينيات القرن الماضي.
تاريخ الفيروس القاتل
كان الجدري الذي فتك بنحو 30% من المصابين به، وألحق أضراراً جسدية كبيرة بغيرهم من المصابين مثل العمى والتشوهات، أحد أكثر الفيروسات فتكاً التي أصابت البشرية.
وتسبب المرض في البداية بالحمى والقيء، تليهما تقرحات في الفم وطفح جلدي، وأخيراً ظهور بثور مملوءة بالسوائل تتقشر لتترك ندبات دائمة. ويعدّ الجدري أحد مرضين تم القضاء عليهما بنجاح، والآخر هو الطاعون البقري، الذي يصيب الماشية، وبالتالي يؤثر على الإمدادات الغذائية البشرية.
وقال ديفيد إيرن، عالم الرياضيات من جامعة ماكماستر الكندية: «ساهمت جائحة «كوفيد-19» الحالية في زيادة الاهتمام بدراسة انتقال الأمراض المعدية، وكيف يمكن لمبادرات الصحة العامة والتدخل في الوقت المناسب أن تغيّر مسار الأوبئة».
وأضاف: «كان هدفنا هو وصف وإتاحة السلسلة الزمنية الأسبوعية لوفيات الجدري في لندن، وتحديد الأحداث التاريخية التي ربما قد كان لها تأثير على ديناميات انتشار وتفشي الجدري على مر القرون».
وفي الدراسة، قام البروفيسور ديفيد إيرن، وأستاذة الرياضيات أولجا كريلوفا، وهي أيضاً من جامعة ماكماستر، برقمنة أكثر من 13 ألف سجل أسبوعي لوفيات الجدري التي تم نشرها في لوائح الوفيات وإحصاءات أعداد المصابين بالأمراض المعدية في العاصمة البريطانية لندن من عام 1664 إلى عام 1930.
وتمتد هذه البيانات من حقبة ما قبل تطبيق أي شكل من أشكال النظام الصحي العام، وصولاً إلى إدخال ممارسات التجدير والتلقيح، وانتهاءً بالقضاء على الجدري نهائياً في لندن.
وكان التجدير إجراءً حاول من خلاله الأطباء تلقيح الأصحاء من المرض عن طريق تعريضهم لفيروس الجدري المأخوذ من البثور أو قشور الجدري الجافة من شخص مصاب، بدلاً من فيروس جدري البقر الأقل خطورة، والذي اعتمد عليه في تطوير لقاح للمرض في وقت لاحق.
وقال البروفيسور ديفيد إيرن: «خلال الفترة الزمنية التي شملتها البيانات، تغيّـر مستوى الجدري من خطر مرعب لا مفر منه إلى عدوى فيروسية يمكن الوقاية منها بسهولة». وأضاف: «إن إدخال ممارسات وتدابير أفضل لمكافحة المرض، وخاصة تطوير التطعيمات، أدى بطبيعة الحال إلى تراجع معدلات وفيات الجدري والقضاء عليه في نهاية المطاف».
وفي هذا السياق، تقول الدكتورة أولجا كريلوفا: «من الواضح جداً أن إدراج تدابير مكافحة الجدري، مثل التجدير والتلقيح لاحقاً، جعل من عملية القضاء على المرض أمراً ممكناً»، وتضيف: «تشير تحليلاتنا أيضاً إلى أن زيادة تطبيق التدابير والإجراءات الاحترازية، وكذلك إعادة هيكلة سياسات الصحة العامة، قد ارتبطت بالتغييرات في مدى شيوع الأوبئة».
وتم التخلي عن عملية التجدير، حيث كان من الممكن أن يؤدي إلى إصابات خطِرة ومميتة، ويمكن أن يؤدي إلى تفشي الوباء من جديد. وكان اكتشاف إدوارد جينر للقاح الجدري في عام 1796، معلماً رئيسياً، ليس فقط في دعم جهود مكافحة الفيروس، ولكن أيضاً في تحفيز قطاع الطب الحديث بشكل عام، كما ألهم تطوير لقاحات للعديد من مسببات الأمراض الأخرى. وقدم لقاح جينز بديلاً أكثر أماناً وأرخص ثمناً وفاعلية من التجدير.
ومع ذلك، اقــــترح الخبراء مؤخراً أن كميات فــــيروس «كورونا» القـــــليلة التي قـــــد تخترق الكمامات، يمكــــن أن تساعد فــــي تكوين مـــــناعة طــبيعية فــــي جسم المتلقــــي ضد عدوى «كوفيد-19»، وتعتمد هذه النظرية على فكرة التجدير.
وشملت الأحداث الأخرى التي قال الباحثون إنها ربما أثرت على وتيرة تفشي مرض الجدري في لندن الصراعات المسلحة، بما في ذلك الحروب التي خاضها نابليون بونابارت، والحرب الفرنسية البروسية (19 يوليو/ تموز 1870 إلى 10 مايو/ أيار 1871)، بالإضافة إلى الثورة الصناعية والتي جلبت التحضر والتحولات الديموغرافية.
وأضافت الدكتورة كريلوفا: «هنالك حاجة لإجراء المزيد من البحوث باستخدام النماذج الرياضية لتحديث آثار التدخلات الصحية والأحداث التاريخية على تفشي مرض الجدري». يشار إلى أنه تم نشر نتائج الدراسة كاملة في مجلة «PLOS Biology».
«كوفيد ـــ 19» ساهم
في زيادة الاهتمام بدراسة انتقال الأمراض المعدية
الدراسة شملت تحليل سجلات الوفيات في لندن من 1664 إلى 1930
النتائج تقدم رؤى جديدة حول تطور الأوبئة.. والجدري كان أكثر الفيروسات

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"