تركيا تستنجد بإسرائيل

01:00 صباحا
قراءة 3 دقائق

محمد نورالدين

أطلقت تركيا في الفترة الأخيرة رسالتين مهمتين تجاه إسرائيل؛ الأولى ما قيل عن رغبة تركيا في تعيين سفير جديد لها في تل أبيب. وكانت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين قد تعرضت لنكسة في عام 2018 عندما سحبت تركيا سفيرها في تل أبيب؛ احتجاجاً على الرد الإسرائيلي على «مسيرات العودة الفلسطينية» في قطاع غزة، ولا تزال العلاقات  حتى اليوم  على مستوى القائم بالأعمال.

 ويتردد في وسائل إعلام تركية أن السفير الجديد  الذي لم يعين بعد رسمياً  سيكون الباحث الشاب (40 عاماً) أفق أولوطاش مدير مركز الدراسات الاستراتيجية، والباحث في مركز دراسات آخر تابع لوزارة الخارجية، وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط؛ لكن ربما دراسته لفترة وجيزة في الجامعة العبرية في القدس، وتخصصه بالتاريخ العبري؛ كان بطاقة اختياره لتولي هذا المنصب؛ ورسالة «حسن نية» تركية إلى إسرائيل، علماً أن أولوطاش لا يعرف عنه تأييده للسياسات الإسرائيلية؛ بل يميل في كتاباته وأبحاثه للدفاع عن القضية الفلسطينية.

 الرسالة الثانية لتركيا تجاه إسرائيل كانت التصريح الذي أدلى به الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عقب خروجه من صلاة جمعة، وأعلن فيها أنه من كل قلبه يرغب في أن تتحسن العلاقات مع إسرائيل، وتصل إلى أعلى نقطة ممكنة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين لم ينقطع وسط شيوع خبر عن زيارة قام بها رئيس الاستخبارات التركية حاقان فيدان مؤخراً إلى إسرائيل؛ وهي ربما أعلى زيارة استخباراتية على هذا المستوى منذ فترة طويلة.

 وقبل الدخول في الأهداف المحتملة للرسالتين التركيتين الأخيرتين، نشير إلى أن العلاقات التركية - الإسرائيلية لم تقتصر كما صرّح أردوغان على المجالات الاستخباراتية والأمنية. فالعلاقات التي شهدت توتراً ملحوظاً بعد قضية سفينة «مافي مرمرة» عام 2010 لم تنقطع على الصعد الأخرى. فالتبادل التجاري كان يزداد سنوياً، ووصل اليوم إلى ستة مليارات دولار سنوياً؛ حيث إن ثلثي تلك الأموال هي صادرات لتركيا، والثلث المتبقي صادرات إسرائيلية؛ أي أن الميزان التجاري يميل بقوة لمصلحة تركيا. كما أن معظم النفط الذي تستورده إسرائيل ويغطي أكثر من 70 في المئة من حاجاتها يأتيها عبر تركيا من أذربيجان ومصادر أخرى. والتعاون العسكري المباشر بلغ ذروته مع حرب القوقاز بين أرمينيا وأذربيجان؛ حيث وقف البلدان بثقلهما العسكري؛ لدعم باكو ضد أرمينيا. كما أن 569 ألفاً من السياح الإسرائيليين زاروا تركيا عام 2019.

 وفي العودة للتودد التركي من إسرائيل؛ فإن أنقرة ترغب بقوة في توقيع اتفاقية ترسيم حدود المنطقتين الاقتصاديتين الخالصتين في البحر لكل منهما. وتغري تركيا إسرائيل بأنها ستحصل على مساحات بحرية أكبر مما أعطته لإسرائيل اتفاقيات ترسيم حدودها البحرية مع اليونان وقبرص اليونانية. إن مثل هذا الاتفاق  في حال حصوله  سيشكل إضافة إلى عودة العلاقات الدبلوماسية إلى مستوى سفير؛ رسالةً إيجابيةً جداً للغرب بشقيه (الأمريكي والأوروبي). وبما أن جانباً من التوتر الغربي مع تركيا يعود إلى التوتر في العلاقات التركية – الإسرائيلية؛ فإن تركيا تأمل أن تكون الرسالتان سبباً في تخفيف الضغوط الأمريكية عنها، خصوصاً عشية تسلم جو بايدن مهامه في البيت الأبيض، وهو الذي اتخذ مواقف علنية معادية لأردوغان شخصياً، متوعداً إطاحته بطريقة ديمقراطية في الانتخابات الرئاسية المقبلة عام 2023. كما أن الاتحاد الأوروبي يهدد تركيا بعقوبات قاسية في قمة زعمائه التي ستنعقد في مارس/آذار المقبل.

 هناك ثابتة في تركيا لدى العلمانيين والإسلاميين أن علاقات جيدة مع إسرائيل؛ هي مفتاح كسب ود واشنطن والاتحاد الأوروبي. وفي السياق فإن أردوغان يرى في هذه اللحظة الضاغطة أن تحسين العلاقات مع إسرائيل وبالتالي مع أمريكا؛ سيجعله أيضاً في موقف مرتاح وأقوى في سوريا، كما سيجعل الموقف الإسرائيلي أقرب إلى الموقف التركي لجهة رفض إقامة دولة كردية مستقلة في الشرق الأوسط. أيضاً فإن اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة؛ سيعود للعمل لمصلحة تركيا في مواجهة اللوبيين الأرمني واليوناني.

 فهل تصل رسائل أردوغان عبر تل أبيب إلى واشنطن وبروكسل؟ وما سيكون عليه الموقف الإسرائيلي، الذي لا يبدو متلهفاً ومستعجلاً، من التودد التركي خصوصاً في الظروف الحالية، وفي كون إسرائيل عضواً في منتدى غاز شرق المتوسط المعادي لتركيا؟ أسئلة تنتظر الأيام والأسابيع المقبلة حسم إجاباتها.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

باحث ومؤرخ متخصص في الشؤون التركية .. أستاذ التاريخ واللغة التركية في كلية الآداب بالجامعة اللبنانية.. له أكثر من 20 مؤلفاً وعدد من الأبحاث والمقالات

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"