هل ينطبق اتفاق باريس للمناخ على قطاعات الأعمال؟

22:55 مساء
قراءة 4 دقائق
اتفاق باريس للمناخ

د. محمد الصياد *

واقع الحال أن اتفاق باريس، هو اتفاق أبرمته الحكومات وصادقت عليه سلطاتها التشريعية، ما يعني إن إلزاميته، مقرونة بحكومات الدول الموقعة والمصادِقة عليههل اتفاق باريس لتغير المناخ يشمل شركات ومؤسسات قطاعات الأعمال المطلِقة لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري (GHGs emissions)؟ وهل هي ملزَمة، بموجب الاتفاق، بتنفيذ ما يحقق أهداف الاتفاق، لاسيما المادة الثانية منه (البند 1 أ) التي تنص على: «الإبقاء على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية في حدود أقل من درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، ومواصلة الجهود الرامية إلى حصر ارتفاع درجة الحرارة في حد لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية، تسليماً بأن ذلك سيقلص بصورة كبيرة، مخاطر تغير المناخ وآثاره»؟
واقع الحال أن اتفاق باريس، هو اتفاق أبرمته الحكومات وصادقت عليه سلطاتها التشريعية، ما يعني إن إلزاميته، مقرونة بحكومات الدول الموقعة والمصادِقة عليه، وشركات ومؤسسات القطاع الخاص غير مشمولة به. هذا من حيث مبدأ التأويل القانوني للاتفاق. إنما طبيعة ونطاق التحدي اللذين يشكلهما هدف المادة الثانية منه، قد يحيل على تفسيرات تنطوي على مسؤولية كافة وحدات الاقتصادات الوطنية للدول الموقعة والمصادِقة عليه، عن تطبيقه. وهذا ما حدث، فقد رفعت سبع مجموعات بيئية، من بينها «جرينبيس» وMilieudefensie، دعوى قضائية ضد شركة «رويال داتش شل»، الهولندية البريطانية النفطية، في أبريل 2019، نيابة عن أكثر من 17000 مواطن هولندي، حيث طالب المدعون الشركة بخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بنسبة 45% بحلول عام 2030، وصولاً إلى صفر انبعاثات بحلول عام 2050، مقارنة بمستويات عام 2019، بما يتماشى مع أصعب حد لدرجة الحرارة عند 1.5 درجة مئوية في اتفاق باريس. وبعد 4 جلسات، اختتمت المحكمة مداولاتها بشأن القضية في 17 ديسمبر 2020، ويُتوقع صدور الحكم فيها في مايو 2021. 
وإذا ما أيدت المحكمة طلب المدعين، فلسوف يؤدي ذلك عملياً إلى إلى إجبار واحدة من أكبر شركات الطاقة في العالم على خفض إنتاج النفط والغاز بسرعة، والاستثمار في مصادر الطاقة النظيفة بدلاً من ذلك. وكان هؤلاء المدعون قد بنوا قضيتهم على سابقة قضائية عُرفت باسم قضية Urgenda، وهي دعوى قضائية كبيرة تتعلق بالمناخ رفعت إلى أعلى قمة هرم التقاضي في نظام المحاكم الهولندي عام 2019. 
بموجب تلك الدعوى، أصدرت المحكمة العليا في هولندا، حكماً في ديسمبر 2019، قضى بأن الحكومة الهولندية تتسبب في «خطر غير مقبول» على المواطنين، من خلال الاستمرار في عمليات التلوث، وعليه فقد ألزمتها المحكمة بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 25% بحلول نهاية عام 2020، مقارنة بمستويات عام 1990، دفعاً لحصتها العادلة في جهود مكافحة آثار تغير المناخ، وهو ما عدته المجموعة البيئية الهولندية Urgenda، انتصاراً ولحظة تاريخية للعدالة المناخية، وجادلت بأنه يمكن تطبيق نفس القانون (قانون واجب الرعاية) (Duty of Care Law) على الشركات، خصوصاً أن قضايا التقاضي المناخي أصبحت أكثر شيوعاً؛ بل إن الأمر سيصل إلى مطالبة المدعين في مثل هذه القضايا، بتعويضات مالية عن الأضرار التي تلحق بهم جراء مستويات الانبعاثات الناتجة عن أنشطة الشركات ووحدات الإنتاج المختلفة.
شركة «شل» من جانبها، اعترضت على إقامة الدعوى من الناحية الشكلية لإقامتها من غير ذي صفة، فيما انصب اعتراضها في المضمون على اعتبار أن سياسة المناخ من مسؤولية الحكومات، وليست الشركات، ولا ينبغي للقضاء أن يتدخل في عمل شركة شل، كما أنه من غير العدل إجبار شركة طاقة واحدة على اتخاذ إجراءات مناخية معينة، من ضمنها تقليص إنتاج النفط والغاز، لن يكون لها سوى تأثير ضئيل طالما استمرت الشركات الأخرى في إنتاج الوقود الأحفوري، وما لم تلتزم الحكومات ويلتزم المستهلكون بذلك. وقد رد المدعون على ذلك بالقول، إنه يتعين على شركة «شل» مساعدة البلدان على تحقيق أهداف اتفاق باريس، متهمينها بانتهاك حقوق المواطنين من خلال تقويض الجهود العالمية للحفاظ على ارتفاع درجات الحرارة دون 1.5 درجة مئوية، وإن سياساتها تضعها في مسار تصادمي مع اتفاقيات المناخ الدولية. ولذا فقد اعتبروا أنه من الاستحالة بمكان، تحقيق أهداف المناخ الخاصة باتفاق باريس من دون «استدعاء» الشركات متعددة الجنسيات للمساهمة بحصتها في جهود كبح آثار التغير المناخي.
الأكيد أن أطرافاً عديدة في العالم، تنتظر نتيجة حكم المحكمة الهولندية في مايو المقبل. جماعات الضغط المناخية، تمني النفس بأن يجيء حكم المحكمة ملزماً لشركة شل بتنفيذ ما ورد من طلبات في صحيفة الدعوى المرفوعة ضدها، كي تؤسس على الحكم سابقة قضائية (ترقى بموجب القانون إلى مرتبة أحكام محاكم النقض أو التمييز غير القابلة للطعن)، لإقامة دعاوى مماثلة في قضايا تغير المناخ المتصلة باتفاق باريس. بالمقابل، ينتاب التوتر الشديد كبريات الشركات المنتجة للوقود الأحفوري، وهي تترقب بفارغ الصبر ما سيؤول إليه مصير الدعوى المرفوعة ضد شركة «شل».
* كاتب بحريني

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"