مقارنات لفهم الهبوط الفني

00:04 صباحا
قراءة دقيقتين

هل تريد أن تعرف ما يجري بالضبط على الساحة الفنية؟ نقاد الفنون فاتتهم المقارنة، بقياس ما يحدث في ميدان على مجالات أخرى كما لو كان يحدث فيها. لك أن تختار درجة الأثر والخطر، فالفرق كبير بين الفرد والبلد.
ما نراه في الإنتاج الموسيقي هو الأهم لكونه الاستهلاك الأكبر. تعالوا نتحدث عن النسبة الأعلى السائدة بين الأغاني التي يوشحون صدرها بلقب الفخار: «كسّرت الدنيا»، وهو مجد لم يبلغه إلا المغول. الكلمات التي يتوهمونها كلمات، شوقي وبيرم ونزار والأبنودي منها براء، ومرتكبوها ليسوا شعراء، هم خارج مضارب البيان، في العراء. أمّا الذين ينتحلون شخصية الملحن، فأيسر سبيل إلى معرفة الانهيارات الفنية، هو قياس أعمال هؤلاء على السقوف العربية بين العقدين الثالث والسابع من القرن الماضي.
هذا في حد ذاته يحتاج إلى خنساء ترثي الذوق العربي العام. دنيا فنية كهذه تستحق «التكسير»، لا تجد بعده من إكسير، لكن تلك المقارنات تظل معهودة، غير جديدة. تخيل لو طبقنا ما يجري في الإنتاج الفني على البنى التحتية في بلدان عربية. ستكون الخواتيم جنائية: مواد البناء لا تتوافر فيها معايير السلامة، مثلاً: الحديد صدئ متآكل والرمل كثير والأسمنت قليل، والمعمار غير عارف بموازين الهندسة العِماريّة. تصور نقل هذه الصورة إلى الصحة العمومية. لا وجود للشخص المناسب في المكان المناسب، المؤهلات ليست شرطاً، والكفاءات والتخصصات لا أهمية لها. جرّاح العظام يجري عملية جراحية للقلب أو الدماغ. تقول: وما وجه الشبه أو المقارنة؟ الشخص الذي ليس أهلاً لكتابة جملة سليمة يسمّى شاعراً ويكتب نصاً للارتقاء بالذوق العام لدى أربعمئة مليون عربي. يقيناً، لا أحد يلاحقه قضائياً؛ لأنه لم يقتل. للأسف، تشويه أذواق الشعوب ليس جريمة.
هل تريد ما هو أدهى؟ ما رأيك في تطبيق تلك الحالات المزرية على التخطيط الاقتصادي والمالي، غرف العمليات في الدفاع والاستراتيجية، التربية والتعليم، الصناعة والزراعة، القضاء، وقس على ذلك. هنا ستكتشف المعجزة المضادة، الإعجاز المقلوب، ستدرك أن البلدان المتخلفة، إنما هي لم تسعَ إلى كسر الحلقة المفرغة التي جعلتها تدور كالدب في القفص، من دون معرفة سبب تخلفها ومتاهتها التنموية: انهيار معايير الكفاءة وتهميش قيم الإبداع.
لزوم ما يلزم: النتيجة العقلانية: أعطِ الخبز للخباز، ولا تدعه يأكل نصفه.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"