إعادة قراءة تاريخ المرأة

00:09 صباحا
قراءة دقيقتين

 

منذ متى صار التاريخ ذكورياً؟ هل كانت بنات حواء، في العصور الغابرة، يرفعن أيديهن إلى السماء في الكهوف، في انتظار نسخة أولى ولو مسوّدة من قاسم أمين لتحريرهن؟
يبدو أن الرجال حاكوا مؤامرة الهيمنة في كواليس المغارات.
قبل استعراض البراهين، كتابة التاريخ كانت شأناً رجالياً، لا هيرودوتة بتاء التأنيث ولا ابنة خلدون، وكان علم الآثار، حتى القرن التاسع عشر، شأن الشارب. السؤال: متى حدث الانقلاب الذي أعطى قياد المرأة للرجل؟ الأرجح أن ذلك جرى قبل التدوين بعهود غير بعيدة. الهيمنة واضحة في نصوص التاريخ والأدب. علماء الآثار والأنثروبولوجيا، قبل القرن التاسع عشر، كانوا رجالاً، وقد فسروا وأوّلوا كل ما عثروا عليه، طبقاً للصورة النموذجية المألوفة في الرسوم المتحركة: الجبار الشمشوني شعر الرأس واللحية، وهو يجر المرأة من شعرها، وبيده الأخرى هراوة أغلظ من طراحة العجين.
إذاعة «فرنسا الثقافية»، بثت برنامجاً (13 أكتوبر 2020) تحت عنوان: «كلاّ، نساء ما قبل التاريخ، لم يكنّ يكنسن الكهف». المحور: كتاب عالمة ما قبل التاريخ في المركز الوطني للبحث العلمي الفرنسي، ماريلين باتو-ماتيس، الذي يحمل عنواناً غاضباً: «إنسان ما قبل التاريخ، امرأة أيضاً». المتخصصة في إنسان النياندرتال، تفنّد أسطورة النساء في عصور ما قبل التاريخ، التي تصورهن قابعات في المغارات، سلبيات مع الأطفال، ينتظرن عودة البطل الصياد. الحقيقة التي أثبتتها الكاتبة العالمة بالاختبارات العلمية، من بينها فحص الحمض النووي للعظام، هي أن المرأة كانت تشارك في الصيد بالحراب، ذات عضلات مفتولة، تعالج الجلود، تصنع الأدوات، ترسم على جدران الكهوف، وتنتهي من كل ذلك إلى أنه «لا وجود لأي دليل على تقسيم العمل بين الرجل والمرأة طبقاً للجنس». كانت البراهين المغلوطة ناجمة عن أن علماء الآثار والأنثروبولوجيا، قبل الأساليب العلمية الحديثة، حين تكون قطع العظام دليلاً على بنية قوية ينسبونها تلقائيّاً إلى الرجل.
 تقدّم العلوم جعل الاختبارات لا تقبل التأويل. دخول المرأة ميداني الأنثروبولوجيا والآثار خصوصاً بعد 1980 غيّر «قواعد اللعبة». تقول العالمة باتو-ماتيس: «لقد كانت لبعض نساء أوروبا الوسطى عضلات قويّة بحيث تعادل أبطال رماية الرمح والثقل اليوم».
لزوم ما يلزم: النتيجة الاستشرافية: إذا ثبت للنساء أن الهيمنة الذكورية عبر التاريخ مؤامرة حيكت بليل، فويل للرجال إذا غنّين: «يا ظالم لك يوم».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"