عادي

الشـعـر فـن يـروى بمـاء الموهبـة

23:54 مساء
قراءة 4 دقائق
1

الشارقة: علاء الدين محمود

على الرغم من احتفاء المشهد الثقافي الإماراتي بكل ألوان وأنماط الشعر، إلا أن هناك اتجاهاً ملحوظاً للشباب نحو تخطي الشكل الكلاسيكي، إلى قصيدة النثر، ويرى بعض النقاد أن هذا الانتقال نتج عما تشهده الإمارات من تطورات وانتقالات سريعة، الأمر الذي قاد إلى حضور أنماط شعرية جديدة، وفي حين يرى بعض الشعراء أن الاختلاف كبير بين عالم القصيدة العمودية والنثرية من حيث الشكل، والوظائف، يجد آخرون أن المسألة الإبداعية متعلقة بالشاعر نفسه، وقدرته على التعبير في كل الأنواع الشعرية.

الشاعر خالد الظنحاني يؤكد تراجع القصيدة العمودية، خاصة من قبل الأجيال الجديدة الشابة من الشعراء، الذين يندفعون نحو النثر، فعلى الرغم من أن شعر النثر ليس بالسهل، لكن يتم استسهاله من قبلهم، ويرى الظنحاني، أن الكثير من هذه المحاولات لدى الشعراء الشباب قد أساءت إلى النثر كثيراً، فالقصيدة التي تنتمي لهذا النمط الشعري، هي عامرة بالموسيقى، والوزن، والإيقاع الداخلي، لكن النماذج السائدة الآن تخلو من كل ذلك، حيث إن الكثير من القصائد التي تنسب إلى النثر هي مجرد «كلام»، بلا فكرة، ولا عمق.

وأوضح الظنحاني، أن الانتقال من القصيدة العمودية إلى النثر، يتطلب معرفة ببناء الشعر التقليدي، وبالنحو، والوزن، فلابد أن يكون للشاعر تجربة حقيقية في كتابة القصيدة الكلاسيكية، تؤهله لعملية انتقال عميق وبأدوات نحو النثر، بدلاً من الاندفاع الذي يسود الآن نحو قصيدة النثر بلا رؤية.

ولفت الظنحاني إلى مسألة في غاية الأهمية، عندما تحدث عن حرق المراحل عند الكثير من الشعراء، حيث إن الملاحظ أن قصيدة التفعيلة لم تأخذ حقها من الانتشار، والتداول، بل تم تجاوزها سريعاً نحو كتابة النثر، رغم أنها قصيدة وسط، تتميز بسمات من العمودي، ومن النثر.

وذكر الظنحاني أن النثر قد أخذ دورته بصورة كاملة في الغرب، وتعمق بصورة كبيرة لدى الشعراء وجمهور المتلقين، حتى استقر وصار الجميع يكتبونه، بعكس ما يجري في العالم العربي، واستدرك الظنحاني قائلاً: «لكن هذا لا يقلل من قيمة الكثير من الشعراء الإماراتيين الذين برعوا بالفعل في مجال النثر، وهم يشكلون ثقلاً في ظل انتشار الكثير من الغث». 

وأوضح الظنحاني، أن المشكلة لا تكمن في تفوق نمط شعري على آخر، بل هي متعلقة بالشاعر نفسه، فالشاعر الجيد يستطيع أن يعبر عن تجربته الإبداعية والجمالية، سواء كان ذلك عبر القصيدة العمودية، أو شعر النثر، ففي العالم العربي، وكذلك في الإمارات هناك شعراء كبار وعظماء يكتبون الشعر العمودي، ويجيدونه، في حين أن هناك من ينتمي إلى النثر ولا يقدم جديداً.

انتشار 

من جانبه، أكد الشاعر د. شهاب غانم، أن القصيدة العمودية لا تزال بخير، فهي قوية ومنتتشرة في العالم العربي، رغم حضور شعر النثر، وأوضح غانم، أنه ينتمي إلى عدد من المجموعات على موقع خدمة الرسائل السريعة «واتساب»، الذي ينشر فيه شعر عمودي جميل لعدد من الشعراء من مختلف أنحاء العالم العربي، بصورة يومية، وهذا يشير إلى أن الشعر العمودي لا يزال يجد إقبالاً وقبولاً كبيراً، ودعا غانم إلى ضرورة أن تعيش كل الأنماط الشعرية مع بعضها بعضاً، فذلك الأمر يخدم مصلحة الشعر.

وذكر غانم أن القصيدة العمودية ظلت سائدة وحدها حتى منتصف القرن الماضي، وعلى الرغم من ظهور الأشكال الشعرية الحديثة، من تفعيلة، ونثر، لكن هناك من يكتب الشعر العمودي بصورة جيدة جداً، غير أن المشكلة تكمن في أن البعض يكتبه بتكلف؛ ومن دون شاعرية متدفقة.

وأوضح غانم أن بعض الشباب أرادوا أن يصبحوا شعراء، فابتعدوا عن القصيدة العمودية، وذلك لظنهم أنها صعبة، وبالتالي اتجهوا نحو النثر لاعتقادهم أن كتابة شعر النثر أكثر سهولة، وهذا أمر غير صحيح، فمعظم هؤلاء الشباب لا علم لهم بالأوزان، ولا العروض، ولابد لهم أن يطلعوا على التراث العربي في مجال الشعر، وهي عملية ذات أهمية كبيرة في تكوين الذائقة، فالشعر يقوم على الثقافة في الأساس، وليس على البحث عن الأسهل. وأكد غانم أن القصيدة العمودية تزخر بالجماليات والموسيقى، وأضاف قائلا: «من لم يكتب الشعر العمودي، فقد حرم نفسه من متعة كبيرة»، واستدل غانم بعدد من الشعراء العرب الذين برعوا في كتابة القصيدة التقليدية في العصر الحديث، مثل: عبدالله البردوني، ومحمد الجواهري، وغيرهما.

خلاف مفتعل

من جانبه، يرى محمد عبدالله البريكي، مدير بيت الشعر في الشارقة، أن الخلافات بين الأجناس الأدبية مفتعلة، وغير موجودة في الحقيقة، فعلى الرغم من اتجاه البعض للنثر، والذي جاء نتيجة اطلاع على تجارب إبداعية غير عربية، نتج عنه تأثر وتأثير ربما وصل بالبعض إلى الاستفادة السلبية من تلك الفنون مع وجود النثر العربي الذي أبدع فيه العرب أيما إبداع واستفاد منه الكثير من الشباب، إلا أن هناك عودة لدى الكثير من الشباب إلى القصيدة العمودية وتفجير الطاقات الإبداعية فيها برؤى حديثة.

وأوضح البريكي، أنهم قد لمسوا تلك العودة إلى أحضان القصيدة العمودية، من خلال اكتشاف طاقات شبابية كبيرة في الكثير من المنابر مثل بيوت الشعر في السودان ومصر والأردن وموريتانيا وتونس، فالقصيدة العمودية لا تزال حاضرة بقوتها منذ ما يقارب 1600 عام، وهذا التاريخ الطويل كفيل بالوقوف أمامها  باحترام كبير.

وعاء اللغة

شدد محمد البريكي على أن الشكل وعاء للغة التي يشترك فيها الشعر العمودي مع الأشكال الأخرى، وطالما أن اللغة واحدة، يبقى التميز لقدرات الكاتب الذي يتعامل مع كل شكل وجنس أدبي، فهذه الأجناس الإبداعية الإنسانية هي ضرورية، كما أنه لا توجد ذائقة واحدة لكي توجه نحو جنس أدبي من دون غيره، فمثلما هناك حاجة للشعر كهوية وحضارة ضاربة في الجذور، ومتغلغلة في وجدان العربي، كذلك هنالك حاجة للنثر والسرد والمسرح والرواية والقصة.

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"