المبدعون ..علامات تجارية

01:08 صباحا
قراءة دقيقتين

د. باسمة يونس

تتجلى القيمة الاقتصادية للثقافة في كونها مورداً اقتصادياً ناجحاً على مر السنين، وعلى الرغم من الظروف فهي حاجة أساسية لا يمكن التخلي عنها حتى في أصعب الأزمات، سواء أكان الاستثمار في المنتج الثقافي الذي يصنعه المبدع أو في المبدع نفسه، وعلى الرغم من أن الاستثمار في المنتج الثقافي هو الأكثر شيوعاً وتداولاً، فهذا لا ينفي أن المردود الأكبر في استثمار المنتجين من الموهوبين المتميزين في المجالات الإبداعية، وممن يمتلكون رؤى خلاقة وإمكانيات إنتاجية ستصبح قابلة للاستثمار طويل الأمد.

ولا يزال الاستثمار في المبدعين محدوداً في معظم القطاعات، لأسباب مختلفة، منها على سبيل المثال لا الحصر قطاع النشر. فالناشرون يستثمرون في الكتب من منطلق كونها العمل التجاري الأساسي لنشاطهم، غافلين عن أهمية الاستثمار في المؤلفين، لتحفيز الكتابة الجيدة ودعم النشر المتميز.

إن ما يفتقر إليه المؤلفون بشكل أساسي، هو المال اللازم للتفرغ للكتابة بدوام كامل، والتحرر من قيود الحاجة إلى تمويل، التي تجعلهم مجبرين على الاستمرار في العمل من أجل كسب ما يكفي للعيش، ما ينقل الكتابة إلى فترات المساء، وعطلات نهاية الأسبوع، أو الإجازات، إضافة إلى استنفاذ معظم الوقت في صقل أعمالهم وإعادة تنقيحها قبل النشر.

ويُحجم المؤلفون  بالتالي  عن تطوير أعمالهم وزيادة فرص تحويل الكتابة إلى مصدر دخل يعتمدون عليه، أو تحويلها إلى مشروع اقتصادي يصبح علامة تجارية ناجحة، وهذا بسبب غياب مفهوم الاستثمار في المؤلف، وتركيز الناشرين على نشر وبيع الكتب فقط. وكل ما يحتاجه الناشرون هو تغيير نظرتهم إلى المؤلفين من مجرد منتجين، واعتبارهم من أهم أعمالهم التجارية، والتحول من مجرد مستثمرين في منتجهم إلى مستثمرين ممولين لمواهبهم، والاقتطاع من أرباحهم في بيع الكتب لمنح المؤلفين دخلاً أكبر، بما في ذلك المزيد من عائدات ما بعد النشر، وتقديم ما يكفيهم للعمل في الكتابة بدوام كامل وحرية أكبر.

وكما برهنت السنوات الماضية على أن الفن أكثر من مجرد منتج يضيء مساحة في مكان ما، أصبح سوق الفن أحد أهم الاستثمارات الجديدة في السنوات الأخيرة، بعد أن بدأ جامعوا الفنون بالتركيز على ما يمكنهم شراؤه من اللوحات والتحف الفنية لإضافتها إلى محافظهم الاستثمارية، وتضمينها وصاياهم، وبات الاستثمار في الفن استثماراً طويل الأجل، متفوقاً في الأداء على معظم مؤشرات الأسهم، مع زيادة في قيمته أوصلت المبيعات في سوق الفن العالمي إلى مليارات الدولارات.

وكل ما يحتاجه الاستثمار في هذا القطاع هو التركيز على استثمار أفضل الفنانين، ممن تشكل مسيرتهم الفنية جدوى كبيرة من الناحية التجارية، باعتبار ما يمتلكونه من شغف، ودافعية قوية، ومؤشرات فنية رئيسية تتمثل في تميزهم باستخدام تقنيات فريدة أو أساليب ورؤى فنية في جميع أعمالهم، ويمتلكون الفرصة ليصبحوا «علامات» تجارية، وتوفير الدعم لهم عبر تأمين معيشتهم، لتحويل مواهبهم من منتجات جمالية فقط، إلى استثمارات اقتصادية طويلة الأجل.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

​كاتبة ومستشارة في تنمية المعرفة. حاصلة على الدكتوراه في القيادة في مجال إدارة وتنمية المواهب وعضو اتحاد كتاب وأدباء الإمارات ورابطة أديبات الإمارات. أصدرت عدة مجموعات في مجالات القصة القصيرة والرواية والمسرح والبرامج الثقافية والأفلام القصيرة وحصلت على عدة جوائز ثقافية.

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"