عالم ما بعد كورونا

00:31 صباحا
قراءة دقيقتين

فيصل عابدون

تحاول العديد من الدوائر والمراكز البحثية ومجموعات الخبراء، والأفراد العاديين حتى، رسم صورة للعالم والحياة بعد الغياب المتوقع والحتمي والوشيك لوباء كورونا المستجد، الذي أمسك بتلابيبنا طوال العام الماضي ولم تتراجع وطأة تأثيراته النفسية إلا بعد أنباء التوصل إلى اللقاحات المضادة وبدء حملات التطعيم الفعلية في أكثر من بلد.

 وقد تبدو مثل هذه المهمة صعبة شيئاً ما، فهذا الوباء الغامض ظهر مثل سحابة عملاقة في سماء الكوكب ثم انتشر بسرعة ليسمم الهواء الذي نتنفسه، ومدد ظلاله الكثيفة والكئيبة على كافة تفاصيل حياتنا، وتدخل في أحشاء علاقاتنا العائلية والاجتماعية، وشكل نمطاً جديداً للحياة داخل البيوت وفي شوارع المدن والمطارات والموانئ، ووضع بصمته على علاقاتنا مع بعضنا، وشق طرقاً مختلفة لعلاقات الحكومات مع شعوبها ومع بعضها بعضاً.

 وعلى الرغم من الصعوبة التي تبدو عليها مهمة رسم صورة الحياة بعد اختفاء الوباء إلا أن هناك إشارات يمكن أن تقود إلى رسم صورة للمستقبل القريب للحياة البشرية الخارجة لتوها من متاهة الخوف والفزع وعدم اليقين.

 فقد أفرزت المحنة أبطالاً ونجوماً بقدر ما خلفت شهداء وضحايا. ومما لاشك فيه أننا سنكون أكثر تقديراً ومحبة للأشخاص الذين وقفوا في الخطوط الأمامية من الرجال والنساء داخل المستشفيات والمراكز الطبية. سنكون أكثر تقديراً لهم وستعلمنا شجاعتهم وتفانيهم أن نحارب الخوف والتردد بقوة أكبر، وأن حياة الإنسان غالية وتستحق التضحية. سنكون أكثر تقديراً أيضاً لمنظماتهم وتنظيماتهم المحلية والدولية، وهنا يقول بعض الخبراء إن المنظمات الدولية وهيئات المجتمع المدني ستلعب دوراً أكبر في القيادة في مستقبل ما بعد كورونا.

 وستكون تجربة العلماء الذين نجحوا أخيراً في تطوير اللقاحات المضادة وما زالوا يعملون داخل مختبراتهم لإنتاج الأدوية العلاجية، ملهمة للأجيال التي عاشت أيام الوباء الحالكة والأجيال القادمة أيضاً. سيتعلمون منهم أهمية اليقظة والمبادرة والعمل تحت كافة الضغوط من أجل الوصول بالأمور إلى بر الأمان والسلامة.

 لقد أغلقت المدارس والجامعات أبوابها لفترات طويلة، كما أغلقت حدائق الأطفال والمتنزهات العامة، وأجبرت تدابير الإغلاق الصغار على البقاء داخل منازلهم في تجربة غير معتادة وشديدة القسوة. والمتوقع في صورة التعليم لما بعد الوباء أن تتغير الصورة قليلاً بدخول عنصر التعليم عن بعد الذي اعتمدته المؤسسات التعليمية خلال وقت الأزمة.

لقد خلفت المحنة فائزين أيضاً، ولا شك في أن صحة البيئة والمناخ كانت من أكبر الرابحين خلال فترات الإغلاق التي شملت العالم بأسره. لقد تنفست الكرة الأرضية الصعداء كما كان يقال في تلك الفترة، فقد توقفت المصانع وخلت الشوارع من هدير السيارات وتراجعت انبعاثات الكربون في الغلاف الجوي. ولوهلة من الزمن أحس دعاة المناخ بالطمأنينة على مصير الكوكب. وربما يقود هذا المكسب الذي تحقق لفترة من الزمن إلى فكرة تجعل ذكرى الإغلاق يوماً عالمياً تحتفل فيه الشعوب سنوياً بذكرى القضاء على الوباء عبر وقف ماكينات المصانع وتعليق الحركة في الشوارع والمطارات والموانئ.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"