زمن الكبار

00:06 صباحا
قراءة دقيقتين

 

الغزارة، والتركيز، والإبداعية الخالصة أو المصفّاة، وغيرها من مآثر وصفات أدبية وثقافية وفنية كانت معاً ما تميّز أولئك الكبار في الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن العشرين في الأدب والمسرح والموسيقى والغناء والدراما والفنون التشكيلية، حتى الفكر والفلسفة والنقد الأدبي كانت حقول كبار أيضاً إلى جانب كبار في السياسة والاقتصاد والتعليم والترجمة، زمن كبار: غزير، ومركّز وخالص الإبداعية المصفّاة.
هل في ذلك أية مبالغة، ونحن نخص ثلاثة عقود فقط في النصف الثاني من القرن العشرين؟؟
لا مبالغة في هذا التخصيص عندما يغيب الكبار ووراءهم تاريخ عظيم من الآداب والفنون سنعيش عليها وعلى آخرها إلى سنوات طويلة قادمة من دون أن نتجاوز هذا التراث الإبداعي العربي أو نوجد موازياً راهناً له..
تقبّل وحيد حامد نصيحة يوسف إدريس في أن يترك كتابة القصة القصيرة، ويتحوّل فوراً إلى الكتابة للسينما والدراما والمسرح، ولو لم يقبل صاحب المجموعة القصصية الوحيدة «القمر يقتل عاشقه» نصيحة إدريس، وأصرّ على كتابة القصة، لكان قاصاً عادياً أو واحداً من عشرات كتّاب القصة في مصر، ومئات كتّاب القصة في الوطن العربي، لكن الرجل قبل النصيحة ولم يعط يوسف إدريس جملاً؛ بل ضرب له موعداً مع كاتب سيناريو سيملأ مصر والوطن العربي بالجمال الملون الذي كان يليق بسبعينات وثمانينات القرن العشرين.
وحيد حامد بدأ الكتابة وهو في نحو الخامسة والعشرين من عمره، وعندما رحل عن 77 عاماً كان قد أنجز 75 عملاً فنياً بين السينما، والدراما التلفزيونية، والدراما الإذاعية، والمسرح، وبكلمة ثانية كان يعمل بمعدل يقارب عملين فنّيين في العام الواحد، ومرة ثانية: الغزارة، والتركيز، والإبداعية الخالصة في زمن الكبار.
..وفي زمن الكبار أيضاً «إلياس الرحباني» غصن أخضر آخر في عائلة الرحباني، الأخ الأصغر لعاصي ومنصور الرحباني، وفي وسط البيت فيروز، وفي الشرفة يجلس زياد، عائلة موسيقى وغناء وأدب وشعر وثقافة، لوّنت ستينات وسبعينات وثمانينات القرن العشرين بلون القرنفل والياسمين.
رحل إلياس الرحباني عن 83 عاماً، عاش في الزمن الثقافي الفني العربي الجميل، ذلك الزمن الذي أوجد مصاهرة استثنائية في الفن بين مصر ولبنان، شعراء وكتّاب وصحفيون ومخرجون وسينمائيون في ترانزيت باتجاهين بين بيروت والقاهرة، طريق كبار كانت ظلالهم الوارفة تملأ الدروب.
قبل أن يصل العشرين من عمره وضع إلياس الرحباني موسيقات 40 أغنية دفعة واحدة ل«بي. بي. سي» مقابل مبلغ محترم من الدولارات في ذلك الزمن بالنسبة إلى شاب عمره 19 عاماً، سيكون أمامه درب طويل مؤثث بالفن والغناء والموسيقى.. 
غزارة، وتركيز.. وزمن للكبار كانوا يعملون ب«قلب ورب» فعاشوا كما يليق بأبطال..
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"