موسكو وواشنطن ونابليون

00:40 صباحا
قراءة دقيقتين

مفتاح شعيب

بعدما تباهى وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، ب«السياسة المتشددة» التي اتخذتها إدارة الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، إزاء روسيا، مؤكداً أنها حققت نتائج كبيرة، ارتأت وزارة الخارجية الروسية أن ترد عليها على منصة «تويتر» بلوحة من القرن التاسع عشر تصور هزيمة إمبراطور فرنسا الشهير نابليون بونابرت على أبواب موسكو، وهي معركة أطلقت العد التنازلي لانهياره، وانتهاء مجده.

 الرد الروسي الطريف على بومبيو، والمرفق بعبارة «أحسنتم.. يا لكم من رجال أقوياء»، مشحون بدلالات تاريخية وسياسية قاسية، توحي بأن الإجراءات الأمريكية التي يتحدث عنها بومبيو لم تحقق شيئاً، وسيكون مصيرها مصير حملة بونابرت. كما تعكس ثقة روسية بالنفس على الاستمرار في استعادة مكانة موسكو العالمية التي دشنتها في السنوات الماضية، وأدت إلى اندلاع صدامات دبلوماسية عدة مع واشنطن، والعواصم الغربية، في أوكرانيا وسوريا، والخلافات التجارية بين الطرفين، وحتى سباق التسلح، ومعاهدات الحد من الصواريخ الباليستية. 

  أما اليوم، وبينما تلملم إدارة ترامب آخر أيامها في البيت الأبيض ومجيء إدارة الديمقراطي جو بايدن، فإن المؤشرات الأولية لا تؤكد تحسناً في العلاقة بين واشنطن، وموسكو، لكن يمكن أن تكون أكثر واقعية بالنظر إلى التغيرات الجوهرية التي أصابت النظام الدولي بعد جائحة كورونا ، وما سببته من تداعيات اقتصادية مؤلمة، ستؤثر قطعاً، في الأوضاع السياسية، والتوازنات القائمة إلى مدى بعيد.

  في السنوات الأخيرة أصبحت الدبلوماسية بين القوى المتصارعة مشحونة بكثير من السخرية، والاستهزاء، وهو أمر مألوف في العلاقات القديمة، ولكن عواقبه سيئة، لأنه يعبّر عن انسداد الآفاق، وانعدام فرص التواصل، والحوار، ما يهدد بتفجير أزمات قد تصل إلى اندلاع حروب. وبالفعل، فإن المخاطر قائمة، وتتزايد، خصوصاً في ظل المتاعب الاقتصادية والاجتماعية الدولية بسبب الوباء المتفشي، وبسبب غياب التنسيق والعمل الجماعي بين الأقطاب الكبرى. وإذا كانت علاقة واشنطن وموسكو سيئة، فهي أسوأ مع بكين. وقبل أيام قال وزير الخارجية الصيني، وانج يي، إن سياسات الولايات المتحدة تجاه بلاده جلبت مخاطر جسيمة للعالم، وأضرت بمصالح البلدين. وترجمة هذا القول أن كل فعل سيستدعي رداً. وفي أغلب الأحيان لا يمكن التكهن بالردود، ومداها، ولكنها دائماً مبعث قلق، وتخوف.

  في استحضار الخارجية الروسية للوحة عن هزيمة نابليون على أبواب موسكو، تذكير أيضاً ببداية هزيمة النازية على أيدي الجيش الأحمر الروسي في الحرب العالمية الثانية، وهي تذكير أيضاً بأن سياسة الاستقواء والاستعلاء لا يمكن أن تحقق الأمن، والتعاون.   

  وهذه العبرة يجب على جميع القوى أن تستوعبها، وتبحث عن معادلات تقوم على حفظ المصالح والحقوق المشتركة. فعالم اليوم يجب أن يستحضر الحروب والصراعات القديمة ليتجنبها في المستقبل. أما تكرار تلك التجارب المؤلمة فسيسفر عن نتائج أفدح مما كان.   

   ولتجنب ذلك، يجب الدفاع عن قيم التعايش والسلام بصدق وإخلاص، حتى لا يقع المحظور.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

إعلامي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"