الوحدة الاقتصادية .. نحن وإفريقيا

00:52 صباحا
قراءة 3 دقائق

د. علي محمد فخرو

أما وأننا، نحن العرب، قد توقفنا عن أن نكون قدوة تستحق المفاخرة في أي من حقول النشاطات الإنسانية، فإننا على الأقل يجب أن نتواضع ونتعلم مما يفعله الآخرون.
  فالاتحاد الإفريقي، الذي تعلم من تجربة الاتحاد الأوروبي بصورة أفضل من تعلمنا، والذي بدأ الأفارقة بإنشائه عام 1963، أي بعد عشرين سنة على إنشائنا للجامعة العربية، والذي لم يثبت في الواقع إلا بحلول عام 2002، والذي يضم دولاً بتاريخ وثقافات ولغات وسياسات غير متماثلة بل وأحياناً متناقضة ومتنافسة، والذي لم تجف بعد الدماء التي أريقت بسبب صراعات وحروب دوله وقبائله ودياناته فيما بين بعضها .. هذا الاتحاد يخطو رويداً رويداً وبثبات نحو إنشاء سوق اقتصادية مشتركة سترفع تجارته البينية من نسبة 16% الحالية إلى 60%، وستضيف ما يقدر بسبعة تريليونات دولار أمريكي لاقتصاده المتنوع وتطوره الصناعي. ويتكلم قادته عن أن ذلك سيكون خطوة نحو مزيد من الاندماج الإفريقي الشامل في حقول السياسة والاجتماع ونحو إمكانية خلق عملة موحدة.
  لنقارن تلك المسيرة التي جرت لا في العالم الأول المتقدم، حتى لا يتعلل البعض بالفرق الحضاري الكبير بين ذلك العالم الأول وعالمنا الثالث الذي ينتمي إليه العرب والأفارقة، لنقارن تلك المسيرة الاقتصادية بمسيرتنا العربية لنرى الإخفاق في أشد صوره.
  بسبب الصراعات والمماحكات  فيما بين عدد من الدول العربية تأجل الانتقال الجدّي إلى الموضوع الاقتصادي العربي المشترك حوالي خمس وثلاثين سنة، وذلك بالرغم من توقيع اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية عام 1957، وبالرغم من قرار مجلس الجامعة العربية إقامة سوق عربية مشتركة عام 1964. لقد كان هناك تردد عند البعض، وكانت هناك انسحابات من قبل البعض بسبب الظروف السياسية وبدائية الحياة الاقتصادية وممارسة الطلاق العربي الشهير فيما بين القول والفعل.
  ولقد استبشر الناس خيراً عندما أقرت قمة عربية لرؤساء الدول في عمان، الأردن، عام 1980، استراتيجية عربية اقتصادية مشتركة وخطة للتنمية الاقتصادية.
  لكن تلك المحاولة دخلت في غيبوبة بسبب الحروب في الخليج العربي، وتذبذبات أسعار النفط، وعدم الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد إنتاجي متشابك ومتناغم فيما بين مكوناته ونتائجه، وبقاء الاختلافات الشديدة  بين القوانين المنظمة للحياة الاقتصادية والتجارية والجمركية والتعامل مع النظام الاقتصادي العولمي ومتطلباته المطبقة في كل قطر عربي.. كل ذلك جعل التجارة البينية فيما بين الدول العربية تراوح في مكانها، صعوداً ونزولاً بين العشرة والعشرين في المئة كحد أقصى، وذلك إبان فترات ارتفاع مداخيل البترول بصورة مؤقتة. كما أن تلك العوامل قادت إلى ضعف شديد في خطوات التكامل الاقتصادي والمشاريع المشتركة وولوج تطورات وتنامي اقتصاد التكنولوجيا والمعرفة.
  بعد مرور خمس وسبعين سنة على تأسيس الجامعة العربية، وبالرغم من الاجتماعات والقرارات والكلام الكثير عن الوحدة الاقتصادية والتكامل الاقتصادي والسوق المشتركة، فإن أقصى ما وصلنا إليه في عام 1998 هو إطلاق بداية منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى، التي أوصلتنا على الأقل إلى تطبيق شبه الإعفاء الكامل من الضرائب الجمركية على السلع المتبادلة فيما بين الأقطار العربية، وبشرط أن تكون ذات المنشأ العربي.
  إننا نحتاج لدخول عوالم جديدة ، مثل الإنتاج المشترك والتشريعات المشتركة والسوق المشتركة والعملة المشتركة. وإلا ستظل نسبة التجارة السلعية البينية المتبادلة تدور حول العشرة في المئة من مجمل التجارة العربية. 
  ما هو واضح من كل ما سبق هو أننا أمام غياب إرادة سياسية عربية مشتركة قادرة على الانتقال إلى متطلبات التكامل الاقتصادي ومن ثم، حتى ولو على مدى متوسط، الانتقال إلى نوع من الوحدة الاقتصادية.
  الموجع هو أنه في عام 2011 قام مركز دراسات الوحدة العربية باستطلاع عينة من أفراد الشعب العربي، عبر الوطن العربي، للتعرف على اتجاهات الرأي العام العربي نحو مسألة الوحدة العربية. لقد أبدى 55% رغبة في قيام وحدة عربية إندماجية كاملة بين الأقطار العربية، وأبدى 66% قيام اتحاد فيدرالي. وقد أظهر استطلاع مماثل قام به معهد الدوحة في عام 2014 تأييد 55 – 57% التوجه نحو إجراءات تعاونية وتوحيدية بين الأقطار العربية.
 إذا كانت غالبية الشعب العربي تؤيد قيام وحدة اندماجية في كل مناحي الحياة، فهل كثير على الدول العربية، أن تتوقف عن الاستمرار في التلاعب بوحدة جزئية في حقل الاقتصاد؟

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

شغل منصب وزير الصحة ووزير التربية والتعليم سابقاً في البحرين. متخصص في كتابة مقالات في شؤون الصحة والتربية والسياسة والثقافة. وترأس في بداية الألفين مجلس أمناء مركز البحرين للدراسات والبحوث. كما أنه عضو لعدد من المنظمات والمؤسسات الفكرية العربية من بينها جائزة الصحافة العربية المكتوبة والمرئية في دبي

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"