توأم الحياة

00:03 صباحا
قراءة دقيقتين

منذ الأزل هو موجود، ولد مع ولادة الإنسان، توأم الحياة الذي يمشي في ظلها يوماً بيوم، إلى أن يحين موعد خروجه من عتمتها ليصير هو البداية للحياة الأخرى.
توأم الحياة ووجهها الآخر، صار في زمن الوباء الخبر الأبرز، لوّن الصفحات بالأسود، فأصبحت أيادينا ترتعش قبل أن نفتح نوافذنا ونطل كعادة صباحاتنا اليومية على مواقع السوشيال ميديا وخصوصاً «فيسبوك».
كثيرة الصفحات السوداء، الرحيل تلو الرحيل، والنعي تلو النعي، والحزن يعم ويترك بصماته في النفوس، موحداً المشاعر بين القريب والبعيد، الصديق والغريب.
غريب ما نمر به، البعض يقول لك «من علامات الساعة»، والبعض يذهب إلى فكرة «المؤامرة السياسية» والمخطط الجهنمي للقضاء على «التخمة» السكانية حول العالم، من خلال فبركة فيروس يقتل من يقتل وينجو منه من ينجو.
أفكار تأخذك من النقيض إلى النقيض، وصفحات السوشيال ميديا لا تمنحك فرصة الاسترخاء، بل تشعر وكأن البعض يشارك بالتآمر على أعصابك، بجهل منه لا عن قصد، فهناك فريق يصر على عزف «اللحن الحزين» على صفحته، حتى وإن لم يمسه السواد، ولو بطرف ثوبه، وكأنه يمشي خلف ما هو سائد، فيحوّل كل شيء إلى موضة، ينبش الأخبار الحزينة ويفتح صفحات نعي ولو لم يكن الحدث جديداً ولا الخبر يقيناً.
هل تحجب نفسك وتعزلها عن السوشيال ميديا؟ ألا تكفينا موجات العزل التي يفرضها الوباء؟ من رحمة الله أنه جاءنا في زمن الانفتاح التكنولوجي وإمكانية التواصل عن بعد لتجاوز المسافات وقتل الإحساس بالغربة والوحدة. هذا التواصل الاجتماعي هو جزء مهم من العلاج اليوم، سواء لمن أصيب بكورونا وعزل نفسه عن باقي أسرته، أو لباقي الناس المحتاطين من العدوى والمتباعدين بإرادتهم أو رغماً عنهم بحكم ارتفاع موجة الوباء عالمياً مجدداً. فلم لا تكون صفحاتنا ملونة، مرة يفرض الحزن نفسه عليها، ومرات تنفض عنها الرماد فتحلق نحو آفاق بعيدة، فيها لمسات من الجمال والتفاؤل والضحك والبهجة..
صرنا نخجل من كتابة ما يبعث على الفرح والضحك، بينما العكس هو المطلوب. صرنا نمشي في مواكب التشاؤم لنقرع الطبول، بينما المعزول يحتاج إلى مكملات لتقوية مناعته، والمكملات ليست عقاقير من الصيدليات، بل تختبئ في أجراس التفاؤل التي ندقها كل يوم وكل لحظة. توأم الحياة سيمشي دائماً في ظلها ولا يمكنه أن يسبقها ولا أن يطغى ليفرض سلطته على الأرض.

[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"