دردشة في خداع المقارنات

00:21 صباحا
قراءة دقيقتين

 

هل في المقارنات جائز وغير جائز؟ بعضها طبعاً بلا ركائز. قد يحلو للمتسرِّع الظفر بدلائل في الفنون والآداب. مثلاً: العالم العربي ليس حالة فريدة في هبوط مكوّنات الثقافة. أين دوستويفسكي وتولستوي وتشايكوفسكي؟ 
أين هيجل وكانط وبيتهوفن؟ أين هوجو وبلزاك وبرليوز؟ العرب أيضاً أين شوقي وطه حسين وزكريا أحمد والسنباطي؟ «كلنا في الهمّ شرقُ :: ليس بين الناس فرقُ».
هنا تنفتح أبواب المفارقات في المقايسات. ظاهر المقارنات منطقي. في الموسيقى، ستدرك أن ما بين عصر النهضة ونهاية القرن التاسع عشر، أرسى أسساً أكاديمية تلاحمت مع الاتجاهات الفلسفية، والمدارس الأدبية والفنية. بهذا صارت فلسفة الفن والإحساس بالجمال، مباحث فكرية لها أواصر وثيقة بالفنون التشكيلية والموسيقى والشعر والعمارة. أضحى المبدعون في الفنون والأجناس الأدبية يتطارحون قضاياهم كقضايا إبداعية جمالية فلسفية واحدة. هذا التنوع في الوحدة أثرى البحث العلمي في مكونات الثقافة، وجعله بنياناً حضارياً متكاملاً، أحد فروعه العلوم الموسيقية، التي هي عائلة من البحوث والتحقيقات.
تلك قيمة ثقافية تحمي الموسيقى بالذات من الهبوط وتداعي القيم الإبداعية. 
حذار من المقارنات الخادعة. تأمل الفارق بين وضع الموسيقى العربية وبين الواقع الموسيقي في الغرب تحديداً: يمكن تقسيم الأعمال الموسيقية العربية إلى ثلاثة: أعمال مبتذلة أقل ما تُوصف به أنها إساءة صارخة إلى الذوق العربي، وأغان تسعى إلى التزام حد أدنى من المقومات الأساسية للفن. 
أما ثالثة الأثافي فتتمثل في الأصوات التي تحنّ إلى الأعمال الجادة لدى الأساطين الراحلين، ولا تجد في الساحة الحالية لا الكلمات المناسبة ولا الألحان الجيدة، فلا ترى مفراً من التكرار والاجترار. هل سمعتم أشكالاً وأجناساً موسيقية جديدة؟ موسيقى العصر الجديد بدأ تألقها في العقد الخامس الماضي في أوروبا، واليوم تتدفق مناهلها شرقاً وغرباً، وكأن العالم العربي لا شرقي ولا غربي. 
نشأت ألوان من التجديد الأوبرالي والسيمفوني، تزاوجت الآلات في المشارق والمغارب. حققت الصين واليابان تحليقات موسيقية عملاقة موازية للتقدم التكنولوجي والعلمي والصناعي. إلا العجلات الفنية العربية، فإنها من تغريز إلى عطل محرك.
لزوم ما يلزم: النتيجة التبسيطية: تطوير الفن يحتاج إلى أمرين: بنيان أكاديمي يحافظ على مستوى الأداء، وإشراف فلسفي فكري جمالي نقدي يحمي من الضياع والانحلال.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"