في بيت الصديق..

00:15 صباحا
قراءة دقيقتين

..في بيت الصديق، لا تخف على أوراقك وحبرك وأشرعتك وقصائدك ومن دَخَل بيت صديقه فهو آمِن.
..في بيت الصديق، أقرأ «الكتاب السرّي للعشّاق» وأقرأ حكمته المكتوبة بماء العينين.. يقول لك: «..لَكَ أن تصنع الحياة الجميلة بكلتا يديك، قم، اخلع القفل الذي ثبّتوه على قلبك وقالوا لك: (لا).. وسترى أنك بالكلمة الصادقة تهزم جيوش النميمة وتدمر فرسانها المرضى، وأنك بالخطوة الواثقة، يمكن أن تدوس على النار حافياً وتصل سالماً لتنال مرامك..».
في بيت الصديق، تتذكر تاريخاً من حياة متدرّجة، ووجوهاً متدرّجة أيضاً، وبيوتاً أصبحت كالظلال: تتذكر الرسّام الذي حوّل الأشياء المهملة المنسية إلى مُعلّقات ونصوص، تتذكر الكتابة على وقع الظهيرة وأسراب النوارس، والمراكب الخشبية الصغيرة وهي تعبر من ضفّة إلى ضفّة.
تتذكر السيدة التي هيأت لك الغداء، تتذكّر الأغنية الطيّبة كرائحة القهوة، وتتذكر النثر الذي كنت تكتبه في مقهى بحّارة غرباء تركوا دموعهم على طاولات الخشب، وعادوا إلى سفنهم الهاجّة في الميناء.
في بيت الصديق، لا تخف على قصيدة، ولا تخف على أغنية، ولا كتابة.
أنت في كلِّ أمانك وطمأنينتك، هنا بالقرب من الكتب التي تحيط بك، وتدور حولك، فتصبح أنت مركز الدائرة، تصبح أنت الدورة والدوران، تصبح النقطة والقوس. وتأخذ تقرأ كالمجنون، ولكن هل يعرف المجنون ماذا يقرأ؟.. لا يهم إذا كان القارئ دائرة، وكان الكتاب نقطة الدائرة.
..في بيت الصديق، تقرأ «نصوص الصباح» تقرأ:.. «..الحديقةُ مكانٌ للتأمّل../.. ولكن هذا ليس صحيحاً، أعرف شاعراً يتأمل عميقاً في الخرائب فيها يقرأ فكرة الغناء ورحلة الأمل..»، ولا مكان مُحّدداً وَمُهَنْدَساً ومنحوتاً ومصبوباً في قالبِ أو في جرّة من الفخّار والنحاس.. للتأمل.
كل الأمكنة للتأمّل..:..الحديقة، الغابة، الكهف، القلعة، الجبل، الصحراء، البحر، النهر، الشرفة.. كل الأمكنة لك. كل الأمكنة لعينيك. كل الأمكنة لقلبك، ملك الأشياء والكائنات أنت. تحوّل الشيء إلى كائن، وتحوّل الكائن إلى لغة.
..في بيت الصديق، تكتشف النثر، شيء من النثر يفرح قلب الإنسان، وَلِمَ لا؟ أَلَمْ يبدأ الكُهّان والسحرة والخيميائيون، والفلكيوّن، والفلاسفة.. حَيَواتهم بالنثر؟
في بيت الصديق.. النثر فن الإقناع، اقرأ، مثلاً، ماذا يقول هذا الحكيم صاحب الشعر الأبيض الذي يشبه الثلج:.. «..الوجوه الكثيرة التي تنظر إليك، هي الأذى فقط أغمض عينيك وأكمل الطريق
الأصوات الكثيرة التي تناديك
هي الحبال المربوطة بساقيك
فقط ابتسم لها، وأكمل الطريق..».
في بيت الصديق، كل شيء طيب، وهادئ، كل شيء شعري وغنائي، الأشجار، الممرّات، الطيور، الأجراس، النباتات، الماء الهادئ في القوارير، الصمت الملكيّ العجيب، والهدوء المقتطع من الفردوس.
في بيت الصديق لا بدّ أن تقرأ أسرار وابتهاجات الروح التائهة، أنت مرّة ثانية مركز ودائرة، وأنت قارئ الكتب السرية الثلاثة:.. كتاب القلب، وكتاب العقل، وكتاب الروح، ومن بين هذه الكتب أخذت عنك هذا السّر.. «..يبكي البشر في أوّل أعمارهم. لكنني تمتمت بغموض اسمك، وحفرت حروفك على قماطي..».
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"