سيرة يومية علنية

00:18 صباحا
قراءة دقيقتين

لا إجازة أسبوعية أو سنوية للكاتب الصحفي اليومي، ولا له سن تقاعد يتوقف عندها عن الكتابة، وربما أيضاً أن لا طقوس له في لحظة الكتابة إلا الكتابة في حد ذاتها بوصفها طقساً يومياً قائماً بذاته يؤشر على حيوية الكاتب، وأنه موجود على قيد الكتابة وقيد الحياة.
أصعب أنواع الكتابة اليومية هي الكتابة الحرة المفتوحة؛ بحيث يلزم الكاتب نفسه ويلتزم أمام القارئ بأنه في حالة صعود دائم، وأنه يكتب في كل مرة كأنه يكتب للمرة الأولى: فكرة جديدة، وإن لم تكن فكرة جديدة، فعلى الأقل ثمة تدوير للفكرة القديمة؛ بحيث تبدو فكرة جديدة، لغة جديدة أيضاً، قصة جديدة، موقف جديد، ذاكرة جديدة.
أسهل أنواع الكتابة اليومية هو التعليق السياسي، والاقتصادي بشكل خاص، فالعالم عالم سياسة واقتصاد: الأحداث كثيرة ومتتالية وجديدة، والقارئ في حاجة إلى رأي وتحليل بعدما كان قد شبع من الخبر صورة وصوتاً على مدار الساعة.
الكتابة اليومية عند بعض الكتّاب وليس كلهم، هي نوع من تحقيق الذات والتوازن والإشباع فبعض الكتاب يجد نفسه ووجوده ومعناه في عموده اليومي، أكثر مما يجد أحياناً شخصيته في بيته أو في محيطه الاجتماعي العام.
بعض الكتّاب الصحفيين اليوميين هم اليوم في السبعين والثمانين من أعمارهم، وبعضهم يطرق باب التسعين، يكتبون بأجساد مكتهلة، لكن بأرواح شابة.
وراء الكتابة اليومية أو الأسبوعية بأجساد مكتهلة وأرواح شابة هناك ثقافة عريقة، وتاريخ طويل من التجارب والعلاقات والحياة الحرة الكريمة، والأهم من كل ذلك وراء هذا النوع من الصحافة الشابة التي يكتبها الكهول ثمة قراءات عمودية وأفقية إن جاز الوصف وبأكثر من لغة: أولها وأساسها العربية، ثم الإنجليزية لغة العالم، والفرنسية لغة الجمال والشعر.
الكاتب اليومي أو الأسبوعي أو الكاتب الأدبي بشكل عام الذي لم يكن حظه من القراءة إلا بالعربية يلجأ بالضرورة إلى الترجمات من اللغات العالمية الحية إلى العربية، وهنا على مثل هذا القارئ أن يمتلك حاسة تمييزية بالغة الشفافية لكي يعرف أن هذه الترجمة جيدة، وأن تلك الترجمة رديئة.
في كل الأحوال تظل الكتابة اليومية بهجة شخصية تماماً للكاتب، إنها دليل مادي ومعنوي يومي على أنه في قلب الحياة، وليس على هامشها، وأنه موجود وليس في العدم، وأنه مرئي ومقروء ومسموع، وليس نكرة صامتة مهملة.
هل لكل ذلك، لا إجازة ولا تقاعد للكاتب، غير أن أجمل ما في هذه الحكاية أن لا تقاعد للكاتب، سواء كان صحفياً يومياً أم هو كاتب متفرغ.. فمن يتخيل كاتباً يتقاعد أو يكف عن الكتابة ليتفرغ للأكل والنوم والتثاؤب.
الكتابة نعمة من الله، إنها السيرة اليومية العلنية لإنسان قد يبدو مجهولاً أو غامضاً أو بسيطاً، لكن في حقيقته غير ذلك: معلوم وواضح وعميق.
[email protected]

التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

عن الكاتب

المزيد من الآراء

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"